فضل الصلاة عليه ﷺ
تعريف الصلاة لغة: فيرجع إلى معنيين: الدعاء والتبرك فمنه: “وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُم”، أي دعاء النبي، وقوله: “وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم” ومنه الصلاة على الجنازة: أي الدعاء للميت.
وسمي الدعاء صلاة؛ لأن قصد الداعي جميع المقاصد الحسنة الجميلة والمواهب السنية الرفيعة أولًا وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا، دينًا ودنيا، بحسب اختلاف السائلين.
المقصود بالصلاة على النبي ﷺ:
وأما المقصود بها فقال الحليمي: المقصود بالصلاة على النبي ﷺ التقرب إلى الله تعالى بامتثال أمره وقضاء حق النبي ﷺ، وتبعه ابن عبد السلام فقال: ليست صلاتنا على النبي ﷺ شفاعة منا له، فإن مثلنا لا يشفع لمثله ولكن الله أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا وأنعم علينا، فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء، فأرشدنا الله لمَّا علم عجزنا لمَن أحسن إلينا وأنعم علينا مكافأة نبينا إلى الصلاة عليه؛ لتكون صلاتنا عليه مكافأة بإحسانه إلينا وإفضاله علينا إذ لا إحسان أفضل من إحسانه ﷺ.
هل تجب الصلاة على النبي ﷺ؟
وفيها عدة وجوه:
الأول: تجب في العمر مرة.
والثاني: أنه يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد.
والثالث: تجب كلما ذُكر.
والرابع: تجب في كل صلاة في تشهدها الأخير.
والخامس: إنها مستحَبّة وليست واجبة.
مواطن استحباب الصلاة على النبي ﷺ كثيرة ومن أهمها:
١- استحباب افتتاح الدعاء واختتامه بالصلاة على النبي ﷺ:
سمع رسول الله ﷺ رجلًا يصلي فمجَّد الله وحمِدَه وصلى على النبي ﷺ؛ فقال ﷺ: “ادْعُ تُجَبْ وسَلْ تُعْطَ “رواه النسائي بسند صحيح.
٢ – في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية: لحديث أبي أمامة -رضي الله عنه- أنه أخبره رجل من أصحاب النبي ﷺ :أن السُّنَّة في الصَّلَاةِ علَى الجنَازةِ أنْ يُكَبِّر الإمَامُ، ثُمَّ يَقْرَأَ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبيرة الأولَى سِرًّا في نفْسِه، ثم يُصَلِّي على النَّبي ﷺ. صحيح رواه النسائي وغيره.
٣ – يوم الجمعة: فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ؛ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ”
قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ الله، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ ـ يَقُولُونَ: بَلِيتَ- فَقَالَ: “إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ”. صحيح رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
– 4 في الصلاة في آخر التشهد: وقد أجمع المسلمون على مشروعية الصلاة على النبي ﷺ في هذا الموضع واختلفوا في وجوبها فيه.
وقد استدل مَن قال بوجوب الصلاة على النبي ﷺ بأن رَسُولُ اللهِ ﷺ سَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجِلَ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: “إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَزَّ- وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ”. صحيح رواه أبو داود.
مسألة: حكم الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأول:
فقال الشافعي في الأم، يصلي عليه في التشهد الأول وهذا هو المشهور من مذهبه.
حكم الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير:
الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير ذهب الشافعية والحنابلة على وجوبها وأنها ركن لا تصح الصلاة بدونه، ومذهب الحنفية والمالكية أنها سنة.
وإذا كانت الصلاة تبطل عند الشافعية والحنابلة إذا ترك المكلف الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير، فالخروج من الخلاف مستحب، كما أن اتباع السنة مستحب، والصلاة على النبي ﷺ فضل ومكرمة وزيادة أجر. والله أعلم .
الصلاة الإبراهيمية:
مسألة: النبي ﷺ أفضل من سيدنا إبراهيم عليه السلام، فكيف طلب له من الصلاة ما لسيدنا إبراهيم، مع أن المشبَّه به أصله أن يكون فوق المشبَّه؟ فكيف الجمع بين الأمرين؟
أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة كثيرة، منها: أن التشبيه المذكور إنما هو في أصل الصلاة، لا في قدرها، ولا في كيفيتها، فالمسئول إنما هو راجع إلى الهيئة، لا إلى قدر الموهوب، وهذا كما تقول للرجل: أحسن إلى ابنك كما أحسنت إلى فلان، وأنت لا تريد بذلك قدر الإحسان، وإنما تريد به أصل الإحسان.انتهى
اتباع النبي ﷺ دليل محبة الله -عز وجل:
محبة الرسول ﷺ تكون باتباع سنته، والامتثال لأوامره، قال الله -عز وجل: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) آل عمران
دلت هذه الآية الكريمة على أن كل من ادعى محبة الله -عز وجل- وليس متبعًا لهدي النبي ﷺ فإنه كاذب في دعواه، حتى يتبع سنة النبي ﷺ في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ (رواه البخاري ومسلم؛ ولهذا قال -عز وجل: “قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ”، أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه.
صلاة الله عشرًا على مَن صلَّى عليه ﷺ مرة:
– حصول عشر صلوات من الله -عز وجل- ومن الملائكة على المصلي بالصلاة مرة واحدة على النبي ﷺ ولم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى على النبي ﷺ
قوله ﷺ: “مَن صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا”، فكما أن الله سبحانه وتعالى قرن ذكر نبينا محمد ﷺ بذكره في الشهادتين، وفي جعل طاعته ومحبته كذلك قرن الثواب على الصلاة عليه بذكره تعالى، فكما أنه قال: “اذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ” قال:” إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه”، كما ثبت في الصحيح كذلك في حق نبينا ﷺ بأن قابل صلاة العبد عليه بأن يصلي عليه سبحانه، وكذلك إذا سلم عليه يسلم عليه عشرًا فله الحمد والفضل.
فائدة: في قوله تعالى: “من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها”.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبُشْرَى فِي وَجْهِهِ فَقُلْنَا: إِنَّا لَنَرَى الْبُشْرَى فِي وَجْهِكَ، فَقَالَ: “إِنَّهُ أَتَانِي الْمَلَكُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ: أَمَا يُرْضِيكَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا. صحيح رواه النسائي وغيره.
وفي هذه الأحاديث دلالة على شرف هذه العبادة من تضعيف صلاة الله على المصلي وتضعيف الحسنات وتكفير السيئات ورفع الدرجات.
الصلاة على النبي ﷺ سبب استجابة الدعاء:
– ومن أسباب استجابة الدعوات: الصلاة على سيدنا المصطفى ﷺ، لما رواه أبوداود في مسنده: “إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي، ثم يدعو بعد بما شاء”.
حُسن الخلق من أسباب القرب من النبي يوم القيامة:
عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “إن مِن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا” رواه الترمذي.
الصلاة على النبي شيخ من لا شيخ له:
فهي الهادية المرشدة للمريد خاصة في زمن الفتن وقد ألف المتقي الهندي كتابه الماتع “هداية ربي عند فقد المربي” وهو مطبوع لمن أراد الاستزادة.