هل كتاب دلائل الخيرات بدعة؟
وما مفهوم البدعة؟
صيغة الصلاة الإبراهيمية:
“اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد”.
صيغة الصلاة على النبي ﷺ ليست توقيفية، فإذا صلى عليه المسلم بأي صيغة أجزأه ذلك، وحصل له أجر الصلاة عليه -إن شاء الله تعالى- ما لم تشتمل الصيغة على محذور.
سؤال: ما حكم الصلاة على النبي ﷺ بصيغة معينة، وهل اختراع صيغ للصلاة على النبي بدعة؟
الجواب: ظهرت في الأمة الصيغ المتكاثرة للصلاة على سيد الدنيا والآخرة، صلى الله عليه وعلى عترته الطاهرة؛ كالصلاة العلوية؛ التي كان سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يعلمها الناس على المنبر، والصلاة الأسعدية التي ذكرها الإمام الشافعي في أول “الرسالة”، والصلاة المشيشية للقطب السيد عبد السلام بن مشيش، وصلاة النور الذاتي للقطب السيد أبي الحسن الشاذلي، والصلوات القادرية للقطب السيد عبد القادر الجيلاني، والصلاة الذاتية للقطب السيد إبراهيم الدسوقي، والصلاة الأسبقية للقطب السيد أحمد الرفاعي، والصلاة النورانية للقطب السيد أحمد البدوي، والصلاة العظيمية لسيدي أحمد بن إدريس، وغير ذلك من الصيغ التي تنوعت فيها المشارب والأذواق، وسارت في المسلمين مسير الشمس في الآفاق، وانتشرت بين الذاكرين عباراتُها وكلماتُها، وكثرت في الأمة مجالسها وحلقاتُها، وظهرت في الصالحين بركاتها ونفحاتُها.
وقد حدَّث علماء الأمة بما رأوه من المبشرات النبوية، لمَنْ ألهمه الله هذه الصيغ المباركة في الصلوات النبوية، وتناقلوها جيلًا عن جيل؛ مستشهدين بها على عظم ثواب ذلك وقبوله، ووقوعه موقعَ الرضا من الله ورسوله ﷺ؛ كمثل رُؤَى الأئمة لبشارات المغفرة والقبول والرضوان للإمام الشافعي رضي الله عنه على ما ألهمه الله إياه من الصلاة الأسعدية في مقدمة “الرسالة”؛ كرؤيا الإمامِ عبد الله بن عبد الحكم [ت: 214هـ] تلميذِ الإمام مالك، التي نقلها الإمامُ الطحاويُّ الحنفي [ت: 321هـ] وحدَّث بها، ورؤيا الإمام المُزَني [ت: 264هـ]، ورؤيا أبي الحسن الشافعي، ورؤيا ابن بُنان الأصبهاني، ورواها أو بعضَها جماعةٌ من الحفاظ؛ كالنميري، وابن بشكوال، وابن عساكر، وابن مسدي، والتاج السبكي في “الطبقات” (1/ 188، ط. هجر)، وساقها القاضي الحسين [ت: 462هـ] في “التعليقة” (1/ 116، ط. مكتبة نزار)، والحافظ ابن الجوزي في “صفة الصفوة” (1/ 438، ط. دار الحديث)، والشيخ ابن القيم في “جلاء الأفهام” (ص: 489)، والحافظ السخاوي في “القول البديع” (ص: 467)، والعلامة ابن حجر الهيتمي في “الدر المنضود” (ص: 257، ط. دار المنهاج)، وغيرهم.
ومن ذلك الصلاة المذكورة في السؤال: صلاة طبِّ القلوب؛ التي صيغتُها: “اللهم صلِّ على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها، وعافية الأبدان وشفائها، ونور الأبصار وضيائها، وقوت الأرواح وغذائها، وروح الأرواح وسر بقائها، وعلى آله وصحبه وسلم”، وهي صيغة مباركة صحيحة، للصلاة على سيد الأكوان وحبيب الرحمن وأعظم إنسان ﷺ، وفيها من الفرج والخير والبركة والفتح الميمون، ونفحات الصلاة على الأمين المأمون، ما رآه الذاكرون، وسعد به المصَلُّون، وقرَّتْ به العيون.
ولا التفات إلى ما يثيره البعض من بدعية هذه الصيغة واتهام قائليها بالشرك؛ فإنما أُتِيَ هؤلاء من جهلهم باللغة، وضيق أفهامهم عن سعتها وبلاغتها ومجازاتها، وسوء ظنهم بالمسلمين عبر القرون، وعدم إدراكهم للعجز البشري عن الإحاطة بالقدر المحمدي والمقام المصطفوي، ولو أنصفوا لعلموا أنَّ الله هو الذي وفَّق الأمة إلى إحسان الصلاة على نبيه المصطفى وحبيبه المجتبى ﷺ، وهو الذي ألْهَمَ المسلمين هذه الصيغ المباركة في الصلوات النبوية على خير البرية؛ لعظيم مكانته عليه، وكريم منزلته لديه، وأنَّ الناس لا يفهمون من قدره إلا بقدر ما تستطيعه أفهامهم وتبلغه عقولهم، وإلا فلا يَعْلَم قدَره، إلا الذي شرح صدره، ورَفَعَ ذكرَه، وأتمَّ نصره سبحانه وتعالى.
وبناءً على ذلك: فالصلاة على النبي ﷺ جائزةٌ بكل صيغة واردة أو مستحدَثة؛ ما دامت لائقة بمقامه الشريف وكماله المنيف ﷺ.
صيغ الصلوات المشهورة التي صاغها الأئمة الكبار:
صيغة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه وعليه السلام:
اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ وَبَارِئَ الْمَسْمُوكَاتِ اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ وَرَأْفَةَ تَحَنُّنِكَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحًمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ الْفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ وَالْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ وَالْمُعْلِنِ الْحَقِّ وَالدَّامِغِ لِجَيْشَاتِ الأَبَاطِيلِ كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ بِأَمْرِكَ بِطَاعَتِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَى قَبَساً لِقَابِسٍ آلاَءُ الله تَصِلُ بأَهْلِهِ أَسْبَابَهُ بَهَ هُدِيَتِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ وَالإِثْمِ وَأبْهَجَ مُوضِحَاتِ الأَعْلاَمِ وَنَائِرَاتِ الأَحْكَامِ وَمُنِيرَاتِ الإِسْلاَمِ فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ وَخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وَبَعِيثُكَ نِعْمَةً وَرَسُولُكَ بِالْحَقِّ رَحْمَةً اللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ النَّاسِ بِنَاءَهُ وَأَكْرِمْ مَثْوَاهُ لَدَيْكَ وَنُزُلَهُ وَأَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ وَاجِزِهِ مِن ابْتِعَاثِكَ لَهُ مَقِبُولَ الشَّهَادَةِ وَمَرْضِيَّ الْمَقَالَةِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وَخُطَّةٍ فَصْلٍ وَبُرْهَانٍ عَظِيمٍ.
الصلاة الشافعية: للإمام محمد بن إدريس الشافعي:
– حول الصلاة الشافعية:
هذه الصلاة المباركة ذكرها الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتابه الرسالة، وقد ذكروا أنه أول من صلى بها، ثم تبعه كثير من العلماء الشافعية وغيرهم على ذلك يتبركون بذكرها في مصنفاتهم، منهم الإمام البيهقي، فقد ذكرها في الدلائل وفي السنن الكبرى وفي غيرهما.. والإمام النووي، والإمام السيوطي، وغيرهم..
– وقد اعتاد العلماء أن يستفتحوا أو يختتموا بها مجالس الدرس والذكر، والمجالس ذات الأهمية.
ونصها: “اللَّهُمَّ صَلِّ أَفْضَلَ صَلاَةٍ عَلَى أَسْعَدِ مَخْلُوقَاتِكَ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ عَدَدَ مَعْلُومَاتِكَ وَمِدَادِ كَلِمَاتِكَ كُلَّمَا ذَكَرَكَ الذَّاكِرُونَ وغَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ، عَدَدَ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُك، وَخَطَّ به قَلَمُك، وَأَحْصَاهُ كِتَابُك، والرضا عن ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، وتابعي التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ما مفهوم البدعة في الدين؟ وما هي البدعة الحسنة؟ وهل هناك بدعة حسنة في الدين؟
الجواب:
يقول النبي ﷺ فيما رواه مسلمٌ: “مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ”، ومفهوم هذا الكلام النبوي البليغ أن من أحدث فيه ما هو منه فهو مقبول؛ تمامًا كما فعل سيدنا عثمان رضي الله عنه في الأذان الثاني يوم الجمعة، وما فعله سيدنا عمر رضي الله عنه من جمع الناس على التراويح جماعةً عشرين ركعة، فكان ذلك منهما سُنةً حسنة، وهكذا، وهذا هو فهم الأئمة والمذاهب الفقهية المتبوعة، وهو ما جرى عليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا من غير نكير معتبَر، ولو لم نقل بذلك لضاقت على الناس معايشهم ولأصبح واجبًا عليهم ترك كثير من أمور حياتهم ومعيشتهم.
والعلماء يقسمون البدعة إلى أقسام: فمنها المباحة، ومنها المستحبة، ومنها المحرمة، ومنها المكروهة، ومنها الواجبة؛ أي إنها تعتريها الأحكام التكليفية الخمسة.
وقد شذ في هذه المسألة بعضهم فزعم أنه ما من بدعة إلا وهي سيئة؛ مخالفًا بذلك قول النبي: “مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا…، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا…” رواه مسلم.
وعليه يكون المراد من قوله ﷺ فيما رواه مسلمٌ “كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ما جاء على غير أصول الشرع المتفق عليها وخالف منهج الإسلام الصحيح وليس كل ما هو محدَث .
قاعدة: “الأصل في الأشياء الإباحة” قاعدة معتبرة أوردها الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله في كتاب “الأشباه والنظائر” في شرح القواعد الخمس التي يرجع إليها جميع مسائل الفقه، وهي مستنبطة من الحديث الشريف الذي رواه الطبراني من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه:
“إنَّ الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها. (فلا تفعلوها (، وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء، من غير نسيان، فلا تبحثوا عنها”
وفي لفظ: “وسكت عن كثير من غير نسيان فلا تتكلفوها، رحمة لكم فاقبلوها”
صيغة الأذان موقوفة على الصحابي عبد الله بن مسعود ~
معنى الموقوف على الصحابي: – الموقوف: هو ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم وأفعالهم ونحوها، فيوقف عليهم ولا يتجاوز بها إلى رسول الله ﷺ، وهذا النوع منه الصحيح والحسن والضعيف.
مشروعية الاجتماع لمجالس الصلاة على النبي
أولا: مشروعية الاجتماع لمجالس ذكر الله:
جاءت الأدلة الشرعيَّة من القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية متضافرةً في الحثِّ على مجالس الذِّكر والاجتماع عليها؛ ومن ذلك قول الله تعالى مخاطبًا نبيه الكريم ﷺ: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: 28]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: “يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي ملأٍ ذَكَرْتُهُ فِي ملأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ”، و”الذكر في الملأ لا يكون إلَّا عن جهرٍ”؛ كما قال الحافظ السيوطي في “نتيجة الفكر في الجهر بالذكر”
ثانيا: بيان مشروعية رفع الصوت بالذكر والجهر به في جماعة:
قد نصَّ العلماء على مشروعية رفع الصوت بالذكر والجهر به خاصة إذا كان الذاكرون جماعة. قال الإمام ابن عطاء الله السكندري في “مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح : [وإن كان الذاكرون جماعة، فالأولى في حقِّهم رفع الصوت بالذِّكر، مع توافق الأصوات بطريقةٍ موزونةٍ] اهـ.
ثالثا: مشروعية الجهر بالصلاة على سيدنا النبي ﷺ في جماعة:
الاجتماع للصلاة على النبي ﷺ جهرًا مشروعٌ؛ امتثالًا للأمر النبوي الشريف: كما جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي ﷺ قال: “مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ، إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ” أخرجه الترمذي في “السنن”، وقال: “هذا حديث حسن.. ومعنى قوله: “ترة”: يعني حسرة وندامة”.
ولفظ النهي عن ترك الصلاة عليه في المجلس لفظ عامٌّ، كما أن المجلس الخالي عن الصلاة على النبي ﷺ إذا كان حسرة على أصحابه، فإن المشتمل عليها يكون محلَّ الرحمة والرضا من الله تعالى، ومحلَّ نظر رسوله ورعايته، خاصة وأنه ﷺ قد عبَّر بلفظ “القوم”، ولا يصدق إلَّا على جماعة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: “إن لله سيارة من الملائكة، إذا سمعوا حِلَق الذكر قال بعضهم: اقعدوا فإذا دعا القومُ أمَّنوا على دعائهم، فإذا صلَّوْا على النبي ﷺ صلوا معهم حتى يفرغو ا، ثم يقول بعضهم لبعض: طوبى لهؤلاء يرجعون مغفورًا لهم” رواه أبو القاسم التميمي في “الترغيب والترهيب”.