عظمته وارتفاع قدره صلى الله عليه وآله وسلم
من تعظيم الله لقدر النبي ﷺ أنه قَرن اسمه باسمه سبحانه:
“ورفعنا لك ذكرك” قال مجاهد: لا أُذكر إلا ذكرت معي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله .
وذكر ابن جرير حديث أبى سعيد رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: ” أتانى جبريل فقال: إن ربى وربك يقول: تدري كيف رفعتُ ذكرك؟، قال: الله أعلم، قال: لا أُذكر إلا ذُكرت معي”.
ومن شعر حسان بن ثابت رضي الله عنه:
أغرّ عليه للنبوة خاتم … من الله من نور يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه … إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشقَّ له من اسمه ليُجلهُ … فذو العرش محمود وهذا محمد
وقال آخرون: رفع الله ذكره في الأولين والآخرين، ونوه به حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به وأن يأمروا أممهم بالإيمان به، ثم شهد ذكره في أمته، فلا يذكر الله إلا ذكر معه.
شرف النبي ﷺ وعظم قدره عند ربه:
وَمِنْ رِوَايَةِ ابن وَهْبٍ أَنَّهُ ﷺ قَالَ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى سَلْ يَا مُحَمَّدُ فَقُلْتُ مَا أَسْأَلُ يَا رَبِّ اتَّخَذْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَكَلَّمْتَ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَاصْطَفَيْتَ نُوحًا، وَأَعْطَيْتَ سُلَيْمَانَ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَعْطَيْتُكَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، أَعْطَيْتُكَ الْكَوْثَرَ وَجَعَلْتُ اسْمَكَ مَعَ اسْمِي يُنَادَى بِهِ فِي جَوْفِ السَّمَاءِ وَجَعَلْتُ الْأَرْضَ طَهُورًا لَكَ وَلِأُمَّتِكَ وَغَفَرْتُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَأَنْتَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَغْفُورًا لَكَ، وَلَمْ أَصْنَعْ ذَلِكَ لأَحَدٍ قَبْلَكَ، وَجَعْلَتُ قُلُوبَ أُمَّتِكَ مَصَاحِفَهَا، وَخَبَّأْتُ لَكَ شَفَاعَتَكَ وَلَمْ أَخْبَأْهَا لِنَبِيٍّ غَيْرِكَ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ، رَوَاهُ حُذَيْفَةُ (بَشَّرَنِي – يَعْنِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ – أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَعِي مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا لَيْسَ عَلَيْهِمُ حِسَابٌ، وَأَعْطَانِي أَنْ لَا تَجُوعَ أُمَّتِي وَلَا تُغْلَبَ، وَأَعْطَانِي النَّصْرَ وَالْعِزَّةَ وَالرُّعْبَ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ أُمَّتِي شَهْرًا، وَطَيَّبَ لِي وَلِأُمَّتِي الْمَغَانِمَ، وَأَحَلَّ لَنَا كَثِيرًا مِمَّا شَدَّدَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) .
أسماء النبي ﷺ:
سمَّي الله -عز وجل- النبي ﷺ في القرآن الكريم بـ «محمد»، و«أحمد» وذكر اسم محمد في عدة مواضع، منها قوله تعالى: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» (آل عمران:144)
ومُحَّمد هو كثير الخصال التي يُحمد عليها، قال حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه:
وشقَّ له من اسمه ليُجِلّه *** فذو العرش محمود وهذا مُحَمّد
أما اسم “أحمد“ فقد ذُكِرَ في القرآن الكريم مرة واحدة في قول الله تعالى: «وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ» (الصف: 6) قال ابن حجر: “ومما وقع من أسمائه في القرآن بالاتفاق الشاهد، المبشر، النذير المبين، الداعي إلى الله، السراج المنير، وفيه أيضا: المذكر، والرحمة، والنعمة، والهادي، والشهيد، والأمين، والمزمل، والمدثر” .
الماحي، الحاشر، العاقب :
ثبت في أحاديث صحيحة عن النبي ﷺ ما ظاهره تحديد عدد أسمائه ﷺ كحديث جبير بن مطعم -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: “لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ” رواه البخاري، قال الحافظ ابن حجر: “والذي يظهر أنه أراد أن لي خمسة أسماء أختص بها لم يُسَمَّ بها أحد قبلي، أو مُعَّظمة، أو مشهورة في الأمم الماضية، لا أنه أراد الحصر فيها ،وفي رواية مسلم: أنّ النّبي ﷺ قال: “لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشَر الناسُ على قدَمَيَّ، وأنا العاقِب ـ والعاقِبُ: الذي ليس بعده نبيٌّ، وقد سماه الله رَؤوفًا رحيمًا” رواه مسلم .
المتوكل:
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: «قرأت في التوراة صفة النبي ﷺ: محمد رسول الله، عبدي ورسولي، سميته المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ» رواه البخاري.
المُقَفِّي، نبي التوبة، نبي المرحمة، نبي الملحمة:
عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول ﷺ يسمي لنا نفسه أسماء فقال: (أنا محمد، وأحمد، والمُقَفِّي، ونبي التوبة، ونبي المرحمة) رواه مسلم، وفي رواية أخرى: (ونبي الملحمة).
المختار، المصطفى، الشفيع المشفع، الصادق المصدوق:
قال ابن حجر: “من أسمائه المشهورة: المختار، والمصطفى، والشفيع المشفع، والصادق المصدوق”.
بعض معاني أسمائه ﷺ:
الماحي: هو الذي محا الله به الشرك والعقائد الوثنية من الجزيرة العربية.
الحاشر: هو الذي يُحشر الناس على قدمه أي على أثره، فكأنه بعث ليحشر الناس.
العاقب: الذي جاء عقب الأنبياء فليس بعده نبي فإن العاقب هو الآخر، فهو خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أجمعين.
المُقَفِّي: هو الذي قفى على آثار من تقدمه وسبقه من الرسل، فكان خاتمهم وآخرهم.
نبي التوبة ونبي الرحمة: قال النووي: “ومقصوده أنه ﷺ جاء بالتوبة والتراحم”، فهو الذي فتح الله به باب التوبة على أهل الأرض فتاب الله عليهم توبة لم يحصل مثلها لأهل الأرض قبله، وكان ﷺ أكثر الناس استغفارًا وتوبة.
نبي الملحمة: هو الذي بُعِث بجهاد أعداء الله، فلم يجاهد نبي وأمته قط ما جاهد رسول الله ﷺ وأمته.
الأمين: هو أحق الناس ﷺ بهذا الاسم، فهو أمين الله على وحيه ودينه، وهو أمين مَنْ في السماء، وأمين من في الأرض، ولهذا كانوا يسمونه قبل النبوة “الأمين”.
البشير: هو المبشر لمن أطاعه بالثواب، والنذير: المنذر لمن عصاه بالعقاب، وقد سماه الله عبده في مواضع من كتابه المنير: سماه الله سراجًا منيرًا، وسمى الشمس سراجًا وهاجًا، فالمنير هو الذي ينير من غير إحراق، بخلاف الوهاج فإن فيه نوع إحراق وتوهج.
ثناء الله تعالى على خلق النبي:
قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم 4)
قال العوفي، عن ابن عباس: أي: وإنك لعلى دين عظيم، وهو الإسلام. وكذلك قال مجاهد، وأبو مالك، والسدي، والربيع بن أنس، والضحاك، وابن زيد .
وقال عطية : لعلى أدب عظيم . وقال معمر عن قتادة: سئلت عائشة عن خلق رسول الله ﷺ قالت: كان خلقه القرآن، تقول كما هو في القرآن .
وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة قوله : وإنك لعلى خلق عظيم ) ذكر لنا أن سعد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله ﷺ. فقالت: ألست تقرأ القرآن ؟ قال : بلى . قالت : فإن خلق رسول الله ﷺ كان القرآن .
وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام قال: سألت عائشة فقلت : أخبريني يا أم المؤمنين – عن خلق رسول الله ﷺ. فقالت: أتقرأ القرآن؟ فقلت: نعم. فقالت: كان خلقه القرآن .
عظمته ﷺ تشمله كله وتمتد لجسده وكل شيء يقربه:
وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: “قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ قَال: وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ والْجَسَدِ”
وَعَنْ واثلة ابن الأَسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ”.
وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: “أَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلَا فَخْرَ”.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا عَنْهُ ﷺ: ” أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: “قَلَّبْتُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَلَمْ أرَ رَجُلًا أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَلَمْ أرَ بَنِي أَبٍ أَفْضَلَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ”.
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ بِمُحَمَّدٍ تَفْعَلُ هَذَ ا؟ فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ، فَارْفَضَّ عَرَقًا.”
عن ابن عباس قال: لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب، خلع النبي ﷺ قميصه وألبسها إياه، واضطجع في قبرها، فلما سوي عليها التراب، قال بعضهم: يا رسول الله رأيناك صنعت شيئاً لم تصنعه بأحد! فقال: (ألبستها قميصي لتلبسني من ثياب الجنة، واضطجعت معها في قبرها أخفف عنها من ضغطة القبر، إنها كانت من أحسن خلق الله إلي صنيعاً بعد أبي طالب) – رواه الطبراني.
- شرف نعل النبي:
قال الإمام يوسف النبهاني رحمه الله:
عَلى رأسِ هذا الكون نعلٌ محمّدٍ ** عَلَت فجميعُ الخلق تحت ظلالهِ
لَدى الطورِ موسى نوديَ اِخلع وأحمدٌ ** عَلى العرشِ لم يؤذن بخلع نعالهِ
رفق النبي وملاطفته للأطفال:
لقد بلغت شفقة النبي ﷺ ورحمته بالناس أنه كان يخفف من صلاته عندما يسمع بكاء الأطفال؛ رأفةً بهم وبأمهاتهم، قال ﷺ: «إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي؛ مما أعلم من وَجْدِ أمِّه من بكائه» (رواه البخاري)
فقد روى أنه ﷺ: كان يصلى وهو حامل أمامة بنت زينب، إذا قام حملها وإذا سجد وضعها، وجاء الحسن والحسين وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي ﷺ: من على المنبر، فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله ورسوله: “وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ”، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.
وعن أنس رضي الله عنه قال: “ما رأيتُ أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله” رواه مسلم.
روى أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: “كان لي أخ يقال له: أبو عمير، كان إذا جاءنا رسول الله ﷺ قال: يا أبا عمير! ما فعل النُغير) رواه البخاري. ((النغير: طائر صغير).
وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه “أنَّ رسول الله ﷺ كان يصليّ وهو حامل أُمَامَة بنت زينب بنت رسول الله ﷺ ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها” رواه البخاري.