التعرف، طريق المحبة
أهمية التعرف على سيدنا محمد ﷺ:
قوله تعالى: “أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون” قال الإمام القرطبي في تفسيره:
“هذا تستعمله العرب على معنى التوقيف والتقبيح، فيقولون: الخير أحب إليك أم الشر؟ أي قد أخبرت الشر فتجنبه، وقد عرفوا رسولهم وأنه من أهل الصدق والأمانة؛ ففي اتباعه النجاة والخير لولا العنت. قال سفيان: بلى! قد عرفوه ولكنهم حسدوه!”
من طرق التعرف على النبي ﷺ دراسة العلوم النبوية الشريفة:
أولًا: علم الشمائل النبوية:
والشمائل فن يشتمل على صفاته السَّنيِة، ونعوته البهيَّة، وأخلاقه الزكية، التي هي وسيلةٌ إلى امتلاء القلب بتعظيمه ومحبته صلى الله عليه وسلم، وذلك سبب لاتباع هديه وسنته، ووسيلةٌ إلى تعظيم شرعه وملته، وتعظيم الشريعة واحترامها وسيلة إلى العمل بها والوقوف عند حدودها، والعمل بها وسيلة إلى السعادة الأبدية، والفوز برضا رب العالمين.
وإذا كان من تمام الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إلى الناس من نفوسهم التي بين جنوبهم، فقد ملأ حبه ﷺ شغاف قلوب المؤمنين، مما جعلهم يسيرون على هداه مترسمين خطاه، يصفون شمائله وأحواله، ويسجلون خلجات ذاته، وملامح صفاته ﷺ.
لقد حفظ لنا الصحابة رضي الله عنهم أجمعين صورًا كاملةً شاملةً تامةَ المبنى والمعنى، جامعةً لكل لمحةٍ وخلجةٍ، وحركةٍ، وإشارة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من مولده الشريف إلى اختياره إلى الرفيق الأعلى.
ويمكن حصرها في عشرة مواضيع:
- نسب النبي ﷺ، وأسماؤه وكنيته، وفضائله.
- صفاته الخَلْقِية.
- أخلاقه:مثل صدقه، وأمانته، وعدله، وعفوه، ورحمته، وصبره، وزهده، وتواضعه وحلمه، وجوده وكرمه، وفاؤه، وحياؤه وعفته، وذوقه، ووقاره، وإيثاره، وضحكه وتبسمه، وغضبه، وأناته وهدؤه، ومزاحه، وملاطفته، وحبه لأصحابه وأمته وحزنه وبكاؤه على ما يصيبهم من المكاره، وتكريمه للرجال والنساء، وتفاؤله، واجتنابه للريب، ومواطن الشبهات، وحزمه، وحبه لبعض الأماكن والبقاع.
- حسن تصرفه، ووفور عقله، وفصاحته.
- هيئاته وعاداتهكنظافة جسمه، وطيب ريحه، وطعامه، وشرابه، والأطعمة والأشربة التي كان يتناولها، وآدابه فيهما، ولباسه، وزينته، وأثاث بيته، ونومه، ومجلسه وجلوسه، وعاداته في بيته مع أهله، عواداته في الترويح عن نفسه وأهله وأصحابه، وخدمه ومواليه، وركائبه.
- خصوصياته وبركاته.
- علومه ومعارفه، وسعة عقله.
- حقوقه.
- عبوديته لربه، وعباداته، وأدعيته، صلاته وصيامه، وحجه.
- معاملته للكفار ودعوته لهم، وجهادهم. ولهذا كانت الشمائل النبوية، من أهم علوم السيرة النبوية، لأنها تهتم بأوصاف النبي ﷺ الخَلقية والخُلقية، وهديه في سائر الأمور الحياتية، فهي تهتم بجوانب نادرة في سيرته قد لا نجدها في كتب المغازي والسير. وهي التطبيق العملي للإسلام من خلال الأُسوة الحسنة، لقوله تعالى: “لَّقَد كَانَ لَكُم فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسوةٌ حَسَنة لِّمَن كَانَ يرجواْٱللَّهَ وَٱليومَ الأخر وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرًا” [الأحزاب: 21].
أهمية دراسة الشمائل، وأهم فوائدها:
- من خلال الاطلاع على شمائله المجيدة، وخصاله الحميدة ندرك أنه رسول الله ﷺ حقاً وصدقاً، فهذه الأخلاق العالية لا يمكن أن يتصف بها إلا نبي، فهي من دلائل نبوته، وقد استدل العلماء، بأخلاقه العالية الرفيعة على نبوته، ومنهم الإمام الماوردي رحمه الله، وقد أثنى الله تعالى عليه بقوله: “وإنك لعلى خلق عظيم”.
- هي سبب من أسباب محبته، لأن حبه ﷺ فريضة على كل مسلم ومسلمة، قال النبي ﷺ: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما” رواه البخاري.
- إن معرفة شمائله تملأ القلب بحبه، وتعظيمه، وسبب في اتّباعه، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31].
- وهي سبب في زيادة الإيمان.
- نتعرف من شمائله على سلوكه في جميع مجالات الحياة.
وهناك كتب أفردت لها، وأهمها:
- الشمائل النبوية، للإمام الترمذي، وهو أشهر كتاب أُلِّف في الشمائل، جُمع فيه (397) حديثاً، جعلها في (56) باباً،وقد شرحه عدد من العلماء.
- “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” للقاضي عياض (ت:544هـ).
- “الوفاء بأحوال المصطفى” للإمام ابن الجوزي (ت597هـ).
- سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، خصاله الحميدة وشمائله المجيدة، للأستاذ عبدالله سراج الدين رحمه الله.
- موسوعة أحاديث الشمائل النبوية الشريفة، لعدد من الأساتذة المعاصرين، واشتلمت على (٣٦٤٤) حديثًا.
ثانيًا: علم الخصائص النبوية:
ما هو تعريف الخصائص؟
((خواصّ)) جمع «خاصة»، أما «خصائص» فهي جمع «خصيصة»، وقد وردت في كلام الجاحظ والزمخشري، وسمى ابن جني أحد كتبه (الخصائص).
يُعرِّف العلماء الخصائص بأنها الأمور التي اختصَّ بها النبي محمد ﷺ عن غيره من الأنبياء، والأمة، وقد يشترك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معه في شيء قليل من تلك الخصائص، لكنها في مجموعها لم تكن لأحد سوى سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله ﷺ.
الخصائص نوعان:
١- ما اختص به ﷺ عن جميع الأنبياء عليهم السلام، وهذا لا يشاركه فيه أحد.
٢- ما اختص به ﷺ عن الأمة، وهذا قد يشاركه فيه أو في بعضه الرسل عليهم السلام.
وتشمل هذه الخصائص كل ما يتعلق بذاته الشريفة في الدنيا والآخرة من الواجبات، والمباحات، والمحرمات، والفضائل والكرامات، وما اختص به في أمته في الدنيا والآخرة أيضاً من الفضائل والكرامات والدرجات والخصوصيات.
هذه الخصائص في مجموعها مادة عظيمة من موسوعة علم السيرة النبوية فهي إحدى علومها المختلفة التي لا يستغنى عنها عند تدريس السيرة النبوية.
ومن أشهر الكتب التي صنفت في علم الخصائص النبوية كتاب “الخصائص الكبرى” للإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله
اسم الكتاب الأصلي” كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب” ولكنه مشهور بالخصائص الكبرى وهو يشتمل على الأمور التي اختص بها النبي ﷺ دون غيره والإتيان بالأدلة الصحيحة ورد النصوص الموضوعة ومن أهم المواضيع أنه ﷺ خاتم النبيين، والكلام عن معجزاته الباهرة.
ثالثًا: علم السيرة النبوية:
أهمية دراسة السيرة النبوية ومعرفتها
لدراسة السيرة النبوية أهمية عظيمة في مسيرة الحياة البشرية، فإذا كان العظماء والقادة دائماً يحرصون على كتابة مذكراتهم وسيرهم الذاتية؛ حتى يتلمس الناس في تلك السيرة مواطن الاقتداء والاستفادة، إذا كان الأمر كذلك فإن سيرة النبي محمد ﷺ هي أولى السير بالدراسة، وتكمن أهمية دراسة السيرة النبوية في النقاط الأساسية الآتية:
- التثبت والتوثق من سيرة الرسول ﷺ لأن سيرته ﷺ تعد رسماً لطريقه التي سلكها، وقد أمرنا الله تعالى باتباع هديه، فكان لابد من توثيق واثبات كل ما ينسب إلى سيرة النبي ﷺ لأن ذلك أصل من أصول الدين.
لذلك امتلأ القرآن الكريم بذكر سير الأنبياء السابقين، وقد ذكر الله تعالى الحكمة من ذلك في كثير من الآيات من ذلك قوله تعالى: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ]هود: 120] بعد أن ذكر الله تعالى تسعة عشر رسولاً في آيات متتالية في سورة الأنعام، أمر الرسول ﷺ بالاقتداء بهديهم فقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ ]الأنعام: 90[
- معرفة تفاصيل سيرته ﷺ حتى يمكن الاقتداء به في جميع شئون الحياة، حيث كانت سيرته تطبيقاً عملياً لأحكام الإسلام وشريعته، حتى لا يظن ظان أن هذه الأحكام غير قابلة للتطبيق، وقد قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول ﷺ قالت:(كان خلقه القرآن)
- إن تقديم السيرة النبوية الموثقة بأسانيدها المتصلة إلى مصادرها الأصلية المتضافرة، والتي تبين كل ما يتعلق بحياته ﷺ بجميع تفاصيلها سواء كان في شئونه الخاصة أو العامة، مهما بلغت تلك التفاصيل من خصوصية، وسرد الحوادث التاريخية التي صاحبت- تلك الحقبة مع وجود الآثار المادية التي تؤكد البحوث العلمية صحتها ومطابقتها للمذكور في الحوادث التاريخية كل ذلك يدعم صدق نبوة محمد ﷺ لأنه مهما بلغ المرء من عظمة، فإن من العسير أن تتوافر له الظروف التي تمكن من متابعة جميع مسيرة حياته حتى من قبل ولادته إلى وفاته، فإذا تم ذلك لشخص، وتضافرت المصادر المتعددة على رصد وتسجيل مسيرة حياته، دون أن تختلف تلك المصادر على شيء ذي بال، إلا في أمور يسيرة تحتمل التأويل يسير، دل ذلك على أن هذا ليس أمراً طبيعياً بل هو أمر خارق للمعتاد مما يؤكد رعاية الله له تصديقًا لنبوئته.
- معرفة عظمة الإسلام وقوته، عندما ندرك أن هذا الدين قد أرسى قواعده وأحكامه، وقلب موازين القوى السياسية والاجتماعية والثقافية لأجزاء كبيرة من الكرة الأرضية، ثم قدم نموذجاً حضارياً قوياً ظل عطاؤه مستمرًا حتى يومنا هذا، وتظهر لنا هذه العظمة جلية إن علمنا أن هذا البناء الضخم قد تم تشيده في فترة وجيزة هي مدة حياته ﷺ بعد الرسالة التي لم تجاوز ثلاثة وعشرين سنة فقط.
رابعًا: علم الدلائل المحمدية:
يُعرِّف العلماء الدلائل النبوية بأنها الحجج البالغة القاطعة، والبراهين الواضحة الساطعة، الدالة على صدق وصحة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى شمول وعموم رسالته، بدلالات واضحة لا جدال فيها.
وهي أيضًا المعجزات الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم، المبينة لفضله، النافية لشك المرتابين، المطمئنة لقلوب المؤمنين، الفاضحة لقلوب المنافقين، القاهرة للكافرين وفيها الأدلة على معجزاته وظهور آياته، والرد على من أنكر ذلك.
وموضوع علم الدلائل واسع المعنى والمضمون، يندرج تحته جُلّ علوم السيرة النبوية، كالشمائل، والخصائص، والمعجزات المعنوية والمادية، وجميع أبواب المغازي، وكل ما ورد عنه في القرآن الكريم، مما يثبت بالنص الواضح القاطع نبوته، ورسالته.
بل قيل: إن القرآن الكريم بإعجازه، وبيانه، وفصاحته، وقصصه، وأخباره عن الأنبياء، وأقوامهم، وما ذكر عن الجنة، والنار، والبعث والحساب، وعن مشاهداته في الإسراء والمعراج، هو كله من دلائل نبوته بالنصوص القطعية التي لا يأتيها الباطل، ولا الشك تصديقاً لقوله تعالى: )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( ]الحجر:٩ [
بل عدَّ بعضهم صفاته الخَلقية والخُلقية الظاهرة والباطنة وجميع شمائله هي باب الدلائل على نبوته، لأن جميع الصفات الإنسانية جاءت فيه على الوجه الأكمل والمثال الأجمل، ولهذا فقد عدَّ بعضهم -وبخاصة الإمام البيهقي رحمه الله (ت ٤٥٨هـ) في موسوعته العظيمة (دلائل النبوة)- كتب الدلائل هي أشمل وأعظم كتب السيرة، لما تضمنته من أخبار، ومرويات، وقصص، وحوادث، ومعجزات، وخصائص، وطبائع، وصفات خَلقية وخُلقية.
بل إنَّ ما يتعلق به من بشارات، وإرهاصات، ومقدمات وكل ما يتعلق بقومه، وعشيرته، وحسبه، ونسبه، واصطفاء الله تعالى له، وفضله في الدنيا والآخرة، وما أعطاه الله فيهما لنفسه ولأمته، هي كلها دلائل واضحة على صدق نبوته وعموم رسالته المؤيدة بالمعجزات الحسية والمعنوية.
ومن طرق التعرف على حضرة النبي محمد ﷺ زيارة قبره الشريف بالمدينة المنورة:
فضائل المدينة المنورة:
هِيَ طَيْبَةُ الطَيِّبَة، وَمَأْرِزُ الدِّينِ حَيْثُ يَنْجَمِعُ إِلَيْهَا فِي أَيَّامِ غُربَتِه.
آوَتْ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَبِيًّا، وَضَمَّتْ جَسَدَهُ الشَّرِيْفَ مَيّتًا، وَسَمَتْ بِكَونِهَا مَسْكَنَ جِيْرَ.
- كثرة أسمائها وصفاتها:
لِعَظِيْمِ شَأْنِ الْمَدِيْنَةِ النَّبَوِّيَّةِ كَثُرَتْ أَسْمَاؤُهَا وَصِفَاتُهَا؛ وَمِنْهَا: الْمَدِيْنَةُ، وَطَيْبَةُ، وَطَابَةُ، وَالدِّرعُ الْحَصِيْنَة، وَأَرْضُ الْهِجْرَة، وَالدَّارُ، وَدَارُ الإِيْمَان، وَدَارُ الْهِجْرَة، وَدَارُ السُّنَّة، وَدَارُ السَّلاَمَة، وَقُبَّةُ الإِسْلاَم .
- المدينة حرم
جَعَلَ اللهُ تَعَالَى لِكُلِّ نَبِيٍّ حَرَمًا، وَجَعَلَ الْمَدِيْنَةَ حَرَماً بِدَعْوَةِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ كَمَا جَعَلَ مَكَّةَ حَرَماً بِدَعْوَةِ خَلِيْلِهِ إِبْرَاهِيْمَ عليه السلام.
قَالَ ﷺ: ((لِكُلِّ نَبِيٍّ حَرَمٌ، وَحَرَمِي الْمَدِيْنَة اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُهَا بِحُرَمِك ؛ أَنْ لاَ يُؤْوَى فِيهَا مُحْدِث، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَلاَ تُؤْخَذُ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِد)).
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (( اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا ؛ أَنْ لاَ يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ ، وَلاَ يُحْمَلَ فِيهَا سِلاَحٌ لِقِتَال ، وَلاَ تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلاَّ لِعَلْف((.
وَعَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه قَالَ: أَهْوَى رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ:
((إِنَّهَا حَرَمٌ آمِن))
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ ﷺ نَهَى أَنْ يُعضَدَ شَجَرُهَا، أَوْ يُخْبَطَ شَوكُهَا، أَوْ يُؤْخَذَ طَيْرُهَا ”
- حراسة المدينة بالملائكة:
وَمِنْ فَضَائِلِ الْمَدِيْنَةِ: أَنَّ اللهَ عز وجل جَعَلَهَا دِرعاً حَصِيْنَة، مَحْرُوسَةً بِالْمَلاَئِكَة:
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
” لَيْسَ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلاَّ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا”
وَالنِّقَابُ: الطُّرُقُ وَالْمَدَاخِل.
وَقَالَ ﷺ: ((وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو، مَا لَهَا طَرِيقٌ ضَيِّقٌ وَلاَ وَاسِعٌ؛ فِي سَهْلٍ وَلاَ فِي جَبَلٍ إِلاَّ عَلَيْهِ مَلَكٌ شَاهِرٌ بِالسَّيْفِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة ((
وَإِذَا غَزَى جَيْشُ الشَّامِ الْحِجَازَ، خَسَفَ اللهُ بِهِ فِي بَيْدَاءِ الْمَدِيْنَةِ شَرقَ ذِي الْحُلَيْفَة.
- انجماع الإيمان إليها:
خَصَّ اللهُ الْمَدِيْنَةَ بِجَعْلِهَا الْبَلَدَ الَّتِي يَنْجَمِعُ إِلَيْهَا الإِيْمَانُ إِذَا ضَعُفَ فِي نُفُوسِ أَهْلِهِ، وَدَخَلَ فِي غُربَتِه، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا)).
- فضل أهل المدينة والسكنى فيها :
أَمَّا أَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: فَلَهُمْ شَأْنٌ عَظِيْمٌ عِنْدَ أَهْلِ الإِسْلاَم، فَهُمْ أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ آمَنُوا بِهِ، وَآوَوْهُ وَنَصَرُوه، وَجَاهَدُوا -مَعَهُ وَبَعْدَهُ- بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِم، وَاتَّبَعُوه؛ فَرَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُم، وَسَمَّاهُمُ الْمُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَار، وَأَخْبَرَ أَنَّه سَيُدخِلُهُمُ الْجَنَّة، هُمْ وَمَنْ أَحَبَّهُم، وَتَرَضَّى عَلَيْهِم، وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَومِ الدِّين.
وَكُلُّ مَنْ سَكَنَ الْمَدِيْنَةَ وَأَصبَحَ مِنْ أَهْلِهَا؛ مُتَمَسِّكاً بِشَرِعِ اللهِ تَعَالَى، سَائِرًا عَلَى هَدي رَسُولِ اللهِ ﷺ فَإِنَّهُ يَنَالُهُ مِنْ فَضْلِ خِيَارِ أَهْلِ الْمَدِيْنَةِ بِقَدرِ تَمَسُّكِهِ بِدِيْنِه .
قَالَ اللهُ تَعَالَى ” وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الفَوْزُ الْعَظِيمُ”.
وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى حُبَّ الأَنْصَارِ آيَةَ الإِيْمَانِ، وَبُغْضَهُمْ آيَةَ النِّفَاق.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِن، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِق، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ الله، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ الله))
وَحَذَّرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ التَّعَرُّضِ لأَهْلِ الْمَدِيْنَةِ بِأَذَى حَتَّى أَخْبَرَ ﷺ أَنَّ مَنْ هَمَّ بِإِيذَائِهِمْ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُعَرِّضاً نَفْسَهُ لانْتِقَامِ اللهِ مِنْه.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((لاَ يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلاَّ أَذَابَهُ اللهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاء)).
وَقَالَ ﷺ: ((مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ظُلْمًا أَخَافَهُ الله، وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين، لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً))
وَحَثَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى سُكْنَى الْمَدِينَة، وَعَدَمِ الانْتِقَالِ عَنْهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّ قَومًا سَيَرتَحِلُونَ عَنْهَا، يَبْحَثُونَ عَنْ الرَّخَاءِ الدُّنيَويّ، فَقَال ﷺ:
((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَه: هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاء، هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاء! وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه، لاَ يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلاَّ أَخْلَفَ اللهُ فِيهَا خَيْرًا مِنْه((.
وَأَخبَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنَّهُ يَشْفَعُ لِمَنْ سَكَنَهَا، وَصَبَرَ عَلَى شِدَّتِهَا، وَمَاتَ فِيْهَا، فَقَالَ: ((لا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَة))
وَقَالَ ﷺ: ((مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَفْعَلْ فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا))
- بركة المدينة والصحة فيها:
الْمَدِيْنَةُ بَلَدٌ مُبَارَكَة، بَارَكَ اللهُ تَعَالَى فِي كُلِّ شَيْءٍ فِيْهَا ، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ ﷺ لَهَا بِالْبَرَكَةِ فَقَالَ: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّة، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لأَهْلِ مَكَّةَ))
وَقَالَ ﷺ: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَفِي ثِمَارِنَا وَفِي مُدِّنَا وَفِي صَاعِنَا بَرَكَةً مَعَ بَرَكَة)).
وَقَالَ ﷺ: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْن)).
فضل المسجد النبوي:
الْمَسْجِدُ النَّبَوِّيُّ الشَّرِيْفُ هُوَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِسَ عَلَى التَّقوَى مِنْ أَوَّلِ يَوم .
قَالَ اللهُ تَعَالَى: “لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين .”
وَلَمَّا سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ: َما الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِسَ عَلَى التَّقُوى قَالَ :((وَمَسجِدِي هَذَا)).
وَمِنْ فَضَائِلِ هَذَا الْمَسْجِدِ الْمُبَارَكِ: أَنَّ الصَّلاَةَ فِيْهِ مُضَاعَفَةٌ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ صَلَوَاتِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوماً تُؤَدَّى فِي غِيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَام .
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : “صَلاَةٌ فِي مِسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلفِ صَلاَةٍ فِيْمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِد، إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَام”.
وَمِنْ خَصَائِصِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِّيِّ : أَنَّ للهِ مَلاَئِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرضِ يَتَرَدَّدُونَ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مُكَلَّفِيْنَ بِتَبْلِيغِ رَسُولِ اللهِ ﷺ صَلاَةَ وَسَلاَمَ كُلِّ مُسْلِمٍ يُصَلِّي وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ ﷺ وَإِنْ كَانَ بَعِيداً ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ فِي قَبْرِهِ فِي حَيَاةٍ بَرزَخِيَّةٍ لاَ نَعْرِفُ حَقِيْقَتَهَا ، يَرُدُّ اللهُ عز وجل إِلَيْهِ رُوحَهُ الشَّرِيفَةَ بِكَيْفِيَّةٍ لاَ نَعْلَمُهَا ، لِيَرُدَّ السَّلاَم .
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : (( لاَ تَجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قُبُوراً ، وَلاَ تَجْعَلُواْ قَبْرِي عِيْداً ، وَصَلُّواْ عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْت))
وَقَالَ ﷺ: ((مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلاَّ رَدَّ اللهُ إِلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَم))
وَقَالَ ﷺ: ((إِنَّ للهِ مَلاَئِكَةً فِي الأَرضِ سَيَّاحِينَ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلاَم)).
وَمِنْ خَصَائِصِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِّيِّ: أَنَّ الرِّحَالَ لاَ يَجُوزُ أَنْ تُشَدَّ بِنِيَّةِ عِبَادَةٍ وَقُربَةٍ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ؛ وَمِنْهَا: الْمَسْجِدُ النَّبَوِّيّ، تَعْظِيماً لِشَأْنِه وَتَشْرِيفاً لِقَدرِه.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَام، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى)).
لطيفة:
قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ: “مَنْ نَذَرَ صَلاَةً فِي مَسْجِدٍ لاَ يَصِلُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِرِحْلَةٍ وَرَاحِلَة، فَلاَ يَفْعَل، وَيُصَلِّي فِي مَسْجِدِهِ، إِلاَّ فِي الثَلاَثَةِ الْمَسَاجِدِ الْمَذْكُورَة، فَإِنَّهُ مَنْ نَذَرَ الصَّلاَةَ فِيْهَا خَرَجَ إِلَيْهَا”. انتهى.
وَمِنْ خَصَائِصِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِّيِّ: أَنَّ مُعَلِّمَ الْعِلْمِ وَطَالِبَهُ فِيْهِ يَنَالاَنِ أَجْرَ الْمُجَاهِدِ وَالْحَاجّ .
قَالَ ﷺ: ((مَنْ جَاءَ مَسْجِدِي هَذَا لَمْ يَأْتِهِ إِلاَّ لِخَيْرٍ يُعَلِّمَهُ أَوْ يَتَعَلَّمُهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيْلِ الله، وَمَنْ جَاءَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ فِي مَتَاعِ غَيْرِه)).
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْراً، أَوْ يُعَلِّمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجرِ حَاجٍّ تَاماً حَجَّتُه)).
وَمِنْ فَضَائِلِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِّيِّ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى اخْتَصَّهُ بِبُقْعَةٍ مِنْ الْجَنَّة، وَهِيَ الرَّوْضَةُ الشَّرِيْفَة ، وَحَدُّهَا مِنْ بَيْتِهِ ﷺ شَرْقاً إِلَى مِنْبَرِهِ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْه غَرْباً ، وَمِنْ الْحَاجِزِ النُّحَاسِي الَّذِي عَلَيْهِ أَرفُفُ الْمَصَاحِفِ جُنُوبًا إِلَى نِهَايَةِ الأُسْطُوَانَاتِ الْبَيْضَاءِ شَمَالاً.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّة )).
وَفِيْهِ مِنْبَرُ رَسُولِ اللهِ ﷺ الَّذِي أَخْبَرَ ﷺ أَنَّهُ سَيَكُون مَعَهُ فِي الْجَنَّة.
قَالَ ﷺ: ((مِنْبَرِي عَلَى حَوضِي)).
وَقَالَ: ((إِنَّ مِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنّة)).
وَقَدْ احتَرَقَ الْمِنْبَرُ فِي الْحَرِيْقِ الَّذِي شَبَّ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِّيِّ الشَّرِيْفِ عَامَ 654.
وَالْمِنْبَرُ الْمَوْجُودُ الآنَ لَيْسَ مِنْبَرَ رَسُولِ اللهِ ﷺ.