التعرف
معنى الإسناد وأهميته في الصلة بالنبي ﷺ والتعرف عليه:
مدخل عن أهمية “السلسلة” ومكانتها
الأصل عند الصوفية في قضية السلسلة وأخذ العهد بالتلقين والتلقي على يد الشيخ، والبيعة له، أو أخذ العهد على الشيخ المرشد أنه سنة مسنونة، والدليل على ذلك :
1- أن البيعة كانت في زمن النبي ﷺ في أمور شتى، فأخذُها في أمر واحد لا يضر، لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح 10.
2- والقياس على حديث: “مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” الحديث أخرجه مسلم (ح 1370) عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه. والحديث أصله في البخاري بنحوه في مواضع أقربها إلى اللفظ هنا.
ووجه القياس: أن من لم يعرف آباءه وأجداده في الطريق فهو أعمى، وربما انتسب إلى غير أبيه… والروح ألصق بك من حقيقتك، فأبو الروح يليك، وأبو الجسم بعده، فكان بذلك أحق بأن تنتسب إليه، وقد اندرج السلف الصالح على تعليم المريدين آداب آبائهم.
3- وَعَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ – وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ حَاضِرٌ يُصَدِّقُهُ – قَالَ: “كُنَّا عِنْدَ النَّبِي ﷺ فَقَالَ: “هَلْ فِيكُمْ غَرِيبٌ؟ ” – يَعْنِى أَهْلَ الْكِتَابِ – قُلْنَا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَمَرَ بِغَلْقِ الْبَابِ وَقَالَ: “ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ وَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ”. فَرَفَعْنَا أَيْدِينَا سَاعَةً، ثُمَّ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ…”. الحديث أخرجه أحمد في مسنده.
فأفاد ضمن ما فيه من فوائد هذا الحديث التلقين بالذكر، والاجتماع عليه.
ولهذا قال الإمام الجنيد رضى الله عنه (ت 297 هـ): “سبق في علم الله القديم ألا يدخل أحد حضرته إلا على يد عبد من عباده”.
والسلسلة تشير إلى منابع أصول الطريقة، وواضعي منهجها، ومقرري نظرياتها الصوفية.
ولا شك أنه منذ أسس علماء الإسلام المنهج النقلي، ضبطوه ضبطا غاية في الإتقان من أجل الاطمئنان إلى صحة النص الشرعي المنقول، سواء في القرآن الكريم، والذي يُنقل إلينا من خلال أسانيد القراءات، أو في السنة النبوية الشريفة والتي تُنقل إلينا من خلال أسانيد الأحاديث، أو في الفقه والذي ينقل إلينا عبر أسانيد المذاهب، وهكذا في سائر العلوم.
وهنا تأتى الدلالة المهمة في مسألة سلاسل الطرق، والتي حرصت عليها عامة الطرق الصوفية، وهي أنهم يريدون أن يعطونا إشارة إلى أن الطريق نقل واتباع واقتداء، وليس هو بأمر عقلي، ولا مُختَرع.
وربما نجد أيضا جذور هذا التقليد مبكرا قبل نشأة الطرق الصوفية بمعناه الحرفي في ذكر شيوخ الطريق الصوفي الذين عليهم المعول عند الكلاباذي (ت 380هـ)، والذى قدم سردا – لا تراجم – لأسماء رجال الصُّوفِيَّة مِمَّن نطق بعلومهم وَعبر عَن مواجيدهم وَنشر مقاماتهم وَوصف أَحْوَالهم قولا وفعلا بعد الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم، ثم ذكر أسماء مَن نشر عُلُوم الْإِشَارَة كتبا ورسائل، وختم ذكرهم بقوله: “وَهَؤُلَاء هم الْأَعْلَام المذكورون المشهورون الْمَشْهُود لَهُم بِالْفَضْلِ الَّذين جمعُوا عُلُوم الْمَوَارِيث إِلَى عُلُوم الِاكْتِسَاب، سمعُوا الحَدِيث وجمعوا الْفِقْه وَالْكَلَام واللغة وَعلم الْقُرْآن. تشهد بذلك كتبهمْ ومصنفاتهم، وَلم نذْكر الْمُتَأَخِّرين وَأهل الْعَصْر وَإِن لم يَكُونُوا بِدُونِ من ذكرنَا علما لِأَن الشُّهُود يُغنى عَن الْخَبَر عَنْهُم”.
والانتساب إلى السادة الشاذلية وغيرهم من الصوفية إنما يحصل بالتلقين من شيخ تلقن عن شيخه بالإذن والسند الصحيح إلى إمام الطريقة، وهو إلى رسول الله ﷺ، وبسر هذا التلقين يحصل ارتباط القلوب بعضها ببعض إلى باب الله الأعظم محمد ﷺ.
ومن الملاحظات المهمة عند الكلام على سلاسل الطريقة الشاذلية هو خفاء تراجم بعض رجالها على الباحثين، وهو لا يوجب شيئًا في هذا السند ، ولا يكسبه ضعفا ولا علة لما علم من أن علماء الظاهر لا يعتنون بمعرفة رجال هذه الطريق، ولا بالتعريف بهم لعدم ترتب حكم شرعي على ذلك كما يترتب عليه في نقل الحديث، وإنما يعتني بذلك أهله المنتسبون… ثم العلم بهؤلاء السادات الماضين من حيث الظاهر إنما هو بالشهرة والسماع، وقد يكون الإنسان في قطر شهيرًا، وأهل قطر آخر لا يعرفونه، وهو لم يطأ تلك الأقطار كلها حتى يستقرئ المجهول من المعلوم… وحيث لم يعرفهم ولا عرف شهرتهم فليستند إلى من عرفهم وعرفها، حتى لا يحكم على معلوم بجهالة ولا على مستور بخمالة.
تعريف مصطلح السماع:
السمع: لغة: هو حسنُ الأذن
واصطلاحا: هو قوة في الأذن تدرك بها الأصوات وفى التنزيل “إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد”
ويطلق السمع على الأذن، وقد يأتي بمعنى الإجابة كما في الحديث “سمع الله لمن حمده” أي: أجاب حمده وتقبله، ومنها الدعاء المأثور”اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع ” أي لا يستجاب، ولا يعتد به، كأنه غير مسموع.
ومن أسماء الله الحسنى السميع، وصفة السمع بالنسبة لله عز وجل هي صفة وجودية أزلية قائمة بذاته تعالى، تكشف لله المسموعات الموجودة، وهي ليست بأذن وجارحة تسمع المخلوقات، فالله تعالى منزه عن ذلك، إنه يسمع كل شيء في هذا الوجود، إنه يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء.
معنى السماع وعلاقته بالوجد:
سماع: بالفارسية والأردية: سماع، بالتركية (Sema) هو مصطلح عربي الأصل، استعمله الصوفيون للدلالة على الإنشاد الديني والذي يكون ضمن مجالسهم العلمية أو التعبدية.
طريقته:
يتضمن السماع عادة الدعاء والإنشاد الديني وترديد الأذكار واسم الله، والالتفاف حول النفس عند المولوية.
الوجد: وللناس كلام طويل في حقيقة الوجد أعني الصوفية والحكماء الناظرين في وجه مناسبة السماع للأرواح فلننقل من أقوالهم ألفاظا ثم لنكشف عن الحقيقة فيه.
وقال أبو الحسين الدراج مخبرا عما وجده في السماع: الوجد، عبارة عما يوجد عند السماع وقال: جال بي السماع في ميادين البهاء فأوجدني وجود الحق عند العطاء فسقاني بكأس الصفاء فأدركت به منازل الرضاء وأخرجني إلى رياض التنزه والفضاء.
ما حكم سماع المديح النبوي؟
مدح النبي ﷺ سنة ثابتة منقولة بالتواتر، وهو قربة من أعظم القربات أخذها الخلف عن السلف من غير نكير، وما زالت المدائح النبوية تُحَبِّبُ الناس في رسول الله ﷺ عبر العصور، وتُرَغِّبُهُم في اتباعِ سنته والاقتداء بشمائله الشريفة وسجاياه الكريمة، وبها تَتَنَوَّر القلوب وتنشرح الصدور وتزكو النفوس.
وقد صحّت الأحاديث بأنه لا أحد أحب إليه المدح من الله تعالى، وفي حديث الأسود بن سريع رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله مدحت الله تعالى بمدحة، ومدحتك بمدحة. قال: «هَاتِ وَابْدَأْ بِمِدْحَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه أحمد واللفظ له والنسائي والطبراني والحاكم وغيرهم.
ولم يزل النبي ﷺ يُعجبه الشِّعر ويُمدَح به فيُثِيبُ عليه، وقد سَمِعَ مدحَهُ بأُذُنِه من حسّان بن ثابت، وعمه العباس، وأنس بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن زهير، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، ولم ينكر منه شيئًا، وتغنَّى المتغنُّون بين يديه بمديحه فُرَادَى كالثابت عن ابن رواحة وأنس رضي الله عنهم في الحداء، والثابت عن عائشة رضي الله عنها في حكمها بأحقيته ﷺ بما جاء من المدح في بعض شعر الشاعرين.. إلخ، كما تغنَّى المتغنُّون بين يديه بمديحه ﷺ جماعات كما حدث في استقبال الأنصار له، ولم يُحْفَظ عنه ﷺ إنكارٌ لهذا أو نسخٌ له، وكان يحب الصوت الحسن فقال لعبد الله بن زيد رضي الله عنه الذي رأى الأذان في منامه: «قُمْ مَعَ بِلالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم.
ولما أراد مؤذنًا له في مكة اختار أبا محذورة رضي الله عنه؛ لأنه حسن الصوت، وكان ينصب لحسان بن ثابت رضي الله عنه منبرًا في المسجد فيقوم عليه يهجو الكفار. أخرجه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها.
وفي “الصحيحين” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: “أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه مَرَّ بِحَسَّانَ رضي الله عنه وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَقَالَ: أَنْشُدُكَ الله أَسَمِعْتَ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: «أَجِبْ عَنِّي اللهمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ». قَالَ: اللهمَّ نَعَمْ”. وبوَّب عليه الإمام النسائي (باب الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد).
وفي “صحيح مسلم” عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ لِحَسَّانَ رضي الله عنه: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ الله وَرَسُولِهِ».
قال الإمام النووي في “شرح مسلم” (16/ 45، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه جواز إنشاد الشعر في المسجد إذا كان مباحًا، واستحبابه إذا كان في ممادح الإسلام وأهله أو في هجاء الكفار والتحريض على قتالهم أو تحقيرهم ونحو ذلك] اهـ.
وعلى ذلك: فمدح النبي ﷺ والترخيص فيه سنة ثابتة منقولة بالتواتر، أخذها الخلف عن السلف من غير نكير، وذلك في إطار الحدّ الذي حدَّدَه النبي ﷺ في قوله في حديث عمر رضي الله عنه عند “البخاري” وغيره: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ». أي: في اتخاذهم إياه ولدًا لله أو إلهًا معه، فالرب ربٌ، والعبد عبدٌ، وهناك فارق بين المخلوق والخالق، فإذا ما عرف المسلم ذلك فليمدح بعد ذلك كما يشاء، وليعلم أن كلَّ غُلُوّ في غيره فهو في حقه تقصيرٌ؛ فإنه ﷺ لا يحيط بصفاته وشمائله إلا الذي خلقه سبحانه وتعالى، ولا يبالغ المادحون في مدحه ﷺ إلا على قدرِ ما يفهمونه من ذلك لا على قدرِهِ عليه الصلاة والسلام، كما قال الأول:
أَرى كلَّ مَدْحٍ في النبي مُقَصِّرًا وإن بالغ المُثني عليه فأكثرا
إذا الله أثنى بالذي هو أَهْلُــه عليه فما مقدار ما تمدحُ الورى
وكما قال الإمام البوصيري صاحب البردة الشريفة:
دع مــــا ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم
وانسُب إلى ذاته ما شئتَ من شرف وانسُب إلى قدره ما شئت من عِظَم
فإن فضل رســـول الله لـيس لــــــه حدٌّ فــــــــيعرب عنـه نــــاطق بِـــــفَمِ
وما زالت المدائح النبوية تُحَبِّبُ الناس في رسول الله ﷺ عبر العصور، وتُرَغِّبُهُم في اتباعِ سنته والاقتداء بشمائله الشريفة وسجاياه الكريمة، وبها تَتَنَوَّر القلوب وتنشرح الصدور وتزكو النفوس، وهذه السنة من السنن المهجورة عند كثير من المسلمين.
والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى. ” فتوى رقم / 7353 دار الإفتاء المصرية.