الاتِّباع والمحبة
الفرق بين المحبة والادعاء:
المحبة وصف قلبي باطن، بينما الاتباع وصف بَدَني ظاهر.
وإذا كان الاتباع ثمرة للمحبة كان سببًا للمحبوبية: “قُلْ إن كُنتُم تُحبّون الله فاتَّبِعوني يُحْبِبكم الله”.
أما إذا كان الاتباع منفصلا عن ذوق المحبة فإنه يصبح ضَلالًا وادعاءً يُهلك صاحبه بالكِبر والقسوة ويجعله سببًا في إهلاك الآخرين، قال ﷺ في وصف الخوارج: (يقرأون القرآن كما أُنزِل لا يجاوز حناجرهم، يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية..).
الفرق بين الاتباع والابتداع:
الاتباع:
فالاتباع هو دليل المحبة الأول ، وشاهدها الأمثل ، بل كلما عظم الحب زادت الطاعة له ﷺ ، فالطاعة إذا هي ثمرة المحبة ، ولذلك حسم القرآن دلائل المحبة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام في آية المحنة وهي قوله جل وعلا: ) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم( (آل عمران: 31)، فإذا كان الله عز وجل قد جعل اتباع نبيه دليلا على حبه سبحانه، فهو من باب أولى دليل على حب النبي ﷺ، ومن دلائل محبته ﷺ تعظيمه وتوقيره والأدب معه، بما يقتضيه مقام النبوة والرسالة من كمال الأدب وتمام التوقير، وهو من أعظم مظاهر حبه، ومن آكد حقوقه ﷺ على أمته، كما أنه من أهم واجبات الدين ، قال تعالى : {إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلًا} (الفتح: 9). فالتسبيح لله عز وجل، والتعزير والتوقير للنبي ﷺ، وهو بمعنى التعظيم.
ومن الأدب معه ﷺ تقديمه على كل أحد، والثناء عليه بما هو أهله، وتوقير حديثه، وعدم رفع الصوت عليه أو التقديم بين يديه، وكثرة الصلاة والسلام عليه.
قال إبراهيم بن الجنيد رحمه الله: يُقال: علامة المحبّ لله على صدق الحب…اتباع رسوله ﷺ.
الابتداع:
التعريف اللغوي:
جاء في لسان العرب: بدَع الشيءَ يَبْدَعُه بَدْعاً وابْتَدَعَه: أَنشأَه وبدأَه. والبِدْعةُ: الحَدَث وَمَا ابْتُدِعَ مِنَ الدِّينِ بَعْدَ الإِكمال. والبِدْعةُ كلُّ مُحْدَثةٍ. المبتدع الذي يأتي أمرًا على شَبَهٍ لم يكن ابتدأَه إِيَّاه، وَفُلَانٌ بِدْعٌ فِي هَذَا الأَمر أَي أَوّلٌ لَمْ يَسْبِقْه أَحد، بل ابتدأه هو. وأبدع وابتدع وتبدّع: أتى ببدعة، وبدَّعه: نسبه إلى البدعة، وأبدعت الشيء: اخترعتُه لا على مثال.
اتجاهات العلماء في المراد بالبدعة اصطلاحًا:
- الاتجاه الأول:
فذهب إليه الإمام الشافعي والعز بن عبد السلام وأبو شامة، والنووي من الشافعية، والإمام القرافي والزرقاني من المالكية.
تعريف العز بن عبد السلام للبدعة وهو: أنها فعل ما لم يُعهد في عهد رسول الله ﷺ. وهي منقسمة إلى بدعة واجبة، وبدعة محرَّمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة.
أدلة هذا القول:
وعلى هذا التقسيم حملوا ما روي عن رسول الله ﷺ مرفوعًا قال رسول الله ﷺ: “من سنَّ سُنَّةً حسنةً، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنَّ سُنَّةً سيئةً، فعليه وِزرها وَوِزر من عمل بها إلى يوم القيامة” رواه مسلم.
واستدلوا أيضًا بحديثٍ عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهطُ، فقال عمر: «إني أرى لو جمعتُ هؤلاء على قارئ واحد، لكان أمثل» ثم عزم، فجمعهم على أُبَيِّ بن كعب، ثم خرجتُ معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: «نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون»، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله.
- الاتجاه الثاني:
اتجه فريق من العلماء إلى ذم البدعة، وقرروا أن البدعة كلها ضلالة، سواء في العادات أو العبادات. ومن القائلين بهذا الإمام مالك والشاطبي والطرطوشي. ومن الحنفية: الإمام الشُّمُنِّي.”
أدلة أصحاب هذا القول:
استدلوا بحديث العرباض بن سارية: “… وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور. فإن كلَّ محدَثةٍ بدعةٌ، وكلّ بدعةٍ ضلالة”. “سنن أبي داود”
وقد عرف هذا الفريق “البدعة” بقوله: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية.
وبهذا التعريف تدخل العاداتُ في البدع إذا ضاهت الطريقة الشرعية، كالناذر للصيام قائمًا لا يقعد متعرضًا للشمس لا يستظل، والاقتصار في المأكل والملبس على صنف دون صنف من غير علة.
أمثلة للبدعة بأقسامها المتعددة:
- البدعة الواجبة: كالاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله، وذلك واجب؛ لأنه لابد منه لحفظ الشريعة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
- والبدعة المحرمة: من أمثلتها: مذهب القدرية، والجبرية، والمرجئة، والخوارج.
- والبدعة المندوبة: مثل إحداث المدارس، وبناء القناطر، ومنها صلاة التراويح جماعة في المسجد بإمام واحد.
- والبدعة المكروهة: مثل تزويق المصاحف.
- والبدعة المباحة: مثل المصافحة عقب الصلوات، ومنها التوسع في اللذيذ من المآكل والمشارب والملابس.
البدعة في العادات:
وذهب قوم إلى أن الابتداع في العادات التي ليس لها تعلق بالعبادات جائز؛ لأنه لو جازت المؤاخذة في الابتداع في العادات لوجب أن تُعدَّ كل العادات التي حدثت بعد الصدر الأول – من المآكل والمشارب والملابس والمسائل النازلة – بدعًا مكروهاتٍ، والتالي باطل؛ لأنه لم يقل أحد بأن تلك العادات التي برزت بعد الصدر الأول مخالفة لهم؛ ولأن العادات من الأشياء التي تدور مع الزمان والمكان.
المحبة شجرة ثمارها تظهر في القلب واللسان والجوارح:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: اعلم أن المحبة يدعيها كل أحد، وما أسهل الدعوى وما أعز المعنى، والمحبة شجرة طيبة…ثمارها تظهر في القلب واللسان والجوارح.
نموذج اتباع الصحابة للنبي ﷺ:
عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابًا، فَجَعَلَ لِي مِنْهُمْ وُزَرَاءَ وَأَنْصَارًا وَأَصْهَارًا، فَمَنَ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا صَرْفًا وَلَا عَدْلًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَمَنْ سَمِعَ فَنَفَعَهَ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِالْعِلْمِ أَحَبَّهُمْ أَجْمَعِينَ: الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ وَأَصْهَارَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ : مَنْ تَزَوَّجَ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ زَوَّجَهُمْ، وَجَمِيعَ أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ، وَجَمِيعَ أَزْوَاجِهِ، وَاتَّقَى اللَّهَ الْكَرِيمَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَسُبَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، وَإِذَا سَمِعَ أَحَدًا يَسُبُّ أَحَدًا مِنْهُمْ نَهَاهُ وَزَجَرَهُ وَنَصَحَهُ، فَإِنْ أَبَى هَجَرَهُ وَلَمْ يُجَالِسْهُ. فَمَنْ كَانَ عَلَى هَذَا مَذْهَبُهُ رَجَوْتُ لَهُ مِنَ اللَّهِ الْكَرِيمِ كُلَّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
- حادثة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام:
ثبت أن النبي ﷺ والمسلمين حين قدموا المدينة كانوا يتوجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس، 16 أو 17 شهرا، ثم جاء الأمر الإلهي بعد ذلك بالصلاة قبل الكعبة المشرفة، ونزل في ذلك آيات كريمة كما سيأتي.
كان رسول الله ﷺ حريصا على أن يتوجه في صلاته إلى قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، فهو أولى الناس به لأنه من ثمرة دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام، وحامل لواء التوحيد بحق كما حملها إبراهيم عليه السلام، وهو ﷺ كان يحرص على أن يكون مستقلا ومتميزا عن أهل الديانات السابقة الذين حرفوا، وبدلوا، وغيروا كاليهود والنصارى، ولهذا كان ينهى عن تقليدهم والتشبه بهم بل يأمر بمخالفتهم، ويحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه من الزلل، والخطل، والانحراف، ومقتضى هذا الحرص أن يتوجه في صلاته دائما إلى قبلة أبي الأنبياء، وهو أول بيت وضع للناس.
تكاد تكون حادثة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة هي الفاصل بين الحرب الكلامية، وحرب المناوشات، والتدخل الفعلي من جانب اليهود، لزعزعة الدولة الإسلامية الناشئة (اليهود في السنة المطهرة، 1/258).
فعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده -أو قال: أخواله- من الأنصار، وأنه ﷺ صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه ﷺ صلى أول صلاة صلاها، صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله! لقد صليت مع رسول الله ﷺ قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم أنه كان يصلي قبل بيت المقدس، وأهل الكتاب، فلـما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك [البخاري (40) ومسلم (525)]، وقد نزلت في هذه الحادثة آيات عظيمة، فيها عبر، وحكم ودروس للصف المسلم..
“قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ”
فالآيات الكريمة تربي الصحابة من خلال الأحداث العظيمة كحادثة تغيير القبلة، وتصوغ الشخصية المسلمة القوية التي لا ترضى إلا بالإسلام دينا وبالرسول متبعا.
﴿كما أرسلنا فيكم رسولا منكم﴾: فوجود شخص رسول الله ﷺ إمام المربين والدعاة هو من خصيصة هذه النخبة القيادية التي شرفها الله تعالى بأن يكون هو المسؤول عن تربيتها؛ فقيه النفوس، وطبيب القلوب، ونور الأفئدة، فهو النور، والبرهان، والحجة.
﴿يتلو عليكم آياتنا﴾: فالمادة الأساسية للبناء والتربية كلام الله تعالى، وكان يرافقه شحنة عظيمة لنزوله أول الأمر غضا طريا، فكان جيلا متميزا في تاريخ الإنسانية.
﴿ويزكيكم﴾: فالمعلم المربي رسول الله ﷺ، فهو المسؤول عن التربية، وهو الذي بلغ من الخلق والتطبيق لأحكام القرآن الكريم ما وصفه الله تعالى به من هذا الوصف الجامع المانع الذي تفرد به ﷺ من دون البشرية كافة، قال تعالى: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ [القلم: 4]، وهو الذي وصفته عائشة رضي الله عنها بأعظم ما يملك بشر أن يصف به نبيا، فقالت: «كان خلق نبي الله القرآن» [البخاري في الأدب المفرد (308) وأحمد (6/91) والنسائي في السنن الكبرى، فكان الصحابة يسمعون القرآن الذي يتلى من فم رسول الله ﷺ ، ويرون القرآن الذي يمشي على الأرض، متجسدا في خلقه الكريم ﷺ .
فهذه هي المهمة ﴿ويعلمكم الكتاب والحكمة﴾، تعليم الصحابة الكرام الكتاب، والحكمة، فالقرآن الكريم لكي يكون مؤثرا في الأمة لا بد من المربي الرباني الذي يزكي النفوس، ويطهر القلوب، ويعلمها شرع الله تعالى من خلال القرآن الكريم، وسنة سيد المرسلين ﷺ، فيشرح للمسلمين غامضه، ويبين محكمه، ويفصل مجمله، ويسأل عن تطبيقه، ويصحح خطأ الفهم لهم إن وجد. كان الرسول ﷺ يعلم ويربي أصحابه لكي يعلموا ويربوا الناس على المنهج الرباني، فتعلم الصحابة من رسول الله ﷺ منهج التعليم، ومنهج التربية، ومنهج الدعوة، ومنهج القيادة للأمة من خلال ما تسمع، وما تبصر، ومن خلال ما تعاني وتجاهد، فاستطاع ﷺ أن يعدّ الجيل إعدادا كاملا، ويجعله مؤهلا لقيادة البشرية، وانطلق أصحابه من بعده يحملون التربية القرآنية والتربية النبوية إلى كل صقع، وأصبحوا شهداء على الناس.
- لا تسأل أحدًا شيئًا:
عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: (كنا عند رسول الله ﷺ تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال ﷺ: ألا تبايعون رسول الله؟ وكنا حديث عهدٍ ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! فقال ﷺ: ألا تبايعون رسول الله؟ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! فعلام نبايعك؟ قال ﷺ: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا، وأسرَّ كلمة خفية، ولا تسألوا الناس شيئًا. قال عوف: فلقد رأيتُ بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدا يناوله إياه) رواه مسلم. قال القرطبي: “وأخْذه ﷺ على أصحابه في البيعة أن لا يسألوا أحداً شيئا، حمْلٌ لهم على مكارم الأخلاق، والترفع عن تحمل مِنَن الخَلق، وتعليم الصبر على مضض الحاجات، والاستغناء عن الناس، وعزة النفوس، ولما أخذهم بذلك التزموه في جميع الأشياء، وفي كل الأحوال حتى فيما لا تلحق فيه مِنَّة، طردًا للباب وحسْماً للذرائع”.
- لا آخذه أبدًا، وقد طرحه رسول الله:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (أنَّ رسول الله ﷺ رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه، وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده، فقيل للرّجل بعد ما ذهب رسول الله ﷺ: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبدا، وقد طرحه رسول الله ﷺ) رواه مسلم. قال النووي: “فيه المبالغة في امتثال أمر رسول الله ﷺ، واجتناب نهيه، وعدم الترخص فيه بالتأويلات الضعيفة”.
فالمسلم عليه أن يعرف حقيقة الأدب مع النبي ﷺ وذلك بالتسليم لأمره، وطاعته في كل ما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه، دون ريْبٍ أو تردد أو حرج، ولو كان أمره أو نهيه مخالفاً للنفس والعقل، والطبْع والعادة، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (الأحزاب:36)، قال السعدي في تفسيره: “أي: لا ينبغي ولا يليق، ممن اتصف بالإيمان، إلا الإسراع في مرضاة الله ورسوله، والهرب من سخط الله ورسوله، وامتثال أمرهما، واجتناب نهيهما، فلا يليق بمؤمن ولا مؤمنة {إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} من الأمور، وحتَّما به وألزما به {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} أي: الخيار، هل يفعلونه أم لا؟ بل يعلم المؤمن والمؤمنة، أن الرسول أولى به من نفسه، فلا يجعل بعض أهواء نفسه حجاباً بينه وبين أمر الله ورسوله”. وقال ابن القيم في كتابه مدارج السالكين: “رأس الأدب مع الرسول ﷺ كمال التسليم له والانقياد لأمره”.