العِصْمَة
الشخصية المحمدية بين البشرية والنبوة:
فقد مَنَّ اللهُ تعالى على خلقِه أجمعين، بأنْ أرسلَ رسولَه محمدًا ﷺ رحمةً للعالَمِين، واصطفى له أسْمَى الصِّفات البشرية، وهداه صِراطَه المستقيم، وحَلَّاه بالخُلُقِ العظيم، فلا أحدَ أهدى منه سبيلًا، ولا أصدقَ منه لسانًا، ولا أفصحَ منه بيانًا، ولا أطهرَ منه نَفْسًا، ولا أتقى منه قلبًا، ولا أعدلَ منه حُكمًا، ولا أكرمَ منه خُلُقًا، ولا أطهرَ منه سَجِيَّة، ولا أكرمَ منه عطاءً، ولا أحسنَ منه بلاءً.
ولم يجعلْه اللهُ مَلَكًا رسولًا، ولكن عبدًا رسولًا، يأكلُ الطعام، ويمشي في الأسواق، ويتزوَّج النساء، ويفرح كما يفرح الناس، ويضحك كما يضحكون، ويحزن كما يحزنون، ويبكي كما يبكون، له كامِلُ الصِّفات البشرية، في أتمِّ صورة.
وأما من حيث سلوكه وأخلاقه صلى الله عليه وسلم، فقد بلغ الكمالَ في السلوك القويم، والخُلُق الكريم، فكان أحسنَ الناس خلقًا، وأعزَّهم جِوارًا، وأعظمَهم حلمًا، وأصدَقَهم حديثًا، وألْيَنَهم عريكة، وأعَفَّهم نفسًا، وأكرمَهم خيرًا، وأبَرَّهم عملًا، وأوفاهم عهدًا، حتى سمَّاه قومُه: “الأمين”، وقد قالت له أمُّ المؤمنين خديجةُ رضي الله عنها – في لحظةٍ صعبة من حياته المباركة -: «وَاللَّهِ، مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ»؛ رواه البخاري ومسلم.
التعرف على النبي وكثرة ذكره من أسباب نفي الشك والارتياب عن جنابه الشريف:
- العصمة في التبليغ ودعوى الرسالة:
وهذه العصمة هي التي عليها المناط، فبها يحصل المقصود من البعثة فتبليغ شرع الله إلى الخلق هي مهمة الرسل من أولهم إلى آخرهم فهم الواسطة بين الله وبين خلقه الذين أرسلوا إليهم، فبطريقهم يهتدي البشر ويرشدون إلى دين الله إذ هم المبلغون عن الله أمره ونهيه وشرعه.
ولذلك فقد أوجب الله العصمة لأنبيائه ورسله في هذا الجانب حتى تصل الرسالة إلى العباد كاملة تامة غير منقوصة ولا محرفة، وبذلك تقوم الحجة على العباد.
ولقد دلت نصوص القرآن والسنة على عصمة نبينا محمد ﷺ في هذا الجانب، وانعقد إجماع الأمة على ذلك.
فمن القرآن:
- قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)، فالآية نص في عصمة لسانه ﷺ من كل هوى وغرض فهو لا ينطق إلا بما يوحى إليه من ربه ولا يقول إلا ما أمر به فيبلغه إلى الناس كاملا موفورا من غير زيادة ولا نقصان.
وهذه الآية شهادة وتزكية من الله لنبيه ورسوله محمد ﷺ في كل ما بلغه للناس من شرع الله.
- وقوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ، لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)، فالآيات نصت على أن الله سبحانه وتعالى لا يؤيد من يكذب عليه بل لابد أن يظهر كذبه وأن ينتقم منه.
ولو كان محمد ﷺ من هذا الجنس كما يزعم الكافرون فيما حكاه الله عنهم “أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً” وحاشاه ﷺ من ذلك- لأنزل الله به من العقوبة ما ذكره في هذه الآيات، وحيث إن الرسول ﷺ لم يقع له شيء من ذلك فلم يهلكه الله ولم يعذبه، فهو على هذا لم يتقول على الله ما لم يقله ولم يفتر شيئا من عند نفسه، وبهذا تثبت عصمته في كل ما بلغه عن ربه عز وجل.
قال ابن كثير بعد أن فسر هذه الآيات: “والمعنى في هذا بل هو صادق راشد لأن الله عز وجل مقر له ما يبلغه عنه ومؤيد له بالمعجزات الباهرات والدلالات القاطعات”.
- وقوله تعالى: “وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلاً، وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً، إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا”
وهذه الآيات دالة على عصمة الله وتثبيته لنبيه ﷺ في تبليغ ما أوحى إليه، ومعناها مقارب لمعنى الآيات التي ذكرناها قبلها “فقد أخبر تعالى عن تأييده لرسوله صلوات الله عليه وسلامه وتثبيته وعصمته وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه بل هو وليه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره ومظهر دينه على من عاداه وخالفه في مشارق الأرض ومغاربها”.
وأما الأدلة من السنة على ذلك فمنها:
- حديث طلحة بن عبيد الله وجاء فيه قوله ﷺ:
ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله”، والحديث نص على عصمته ﷺ من الكذب فيما يخبر به عن الله.
- حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: “كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ﷺ أريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا”: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله ﷺ بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال: “اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق”
قال القاضي عياض: “وأجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منها بخلاف ما هو به، لا قصدًا ولا عمدًا ولا سهوًا ولا غلطًا”.
ولعصمته ﷺ شقين:
أما الشق الأول: وهو عصمته من الشرك والكفر قبل بعثته ونزول الوحي إليه كلها فقد دلت النصوص الثابتة على أن النبي ﷺ معصوم منذ نشأته من الكفر والشرك فلم يعهد عنه ﷺ أنه سجد لصنم أو استلمه أو إلى غير ذلك من أمور الشرك التي كان يفعلها قومه. فقد فطره الله على معرفته والاتجاه إليه وحده وهذا هو المعلوم من سيرته. فمن النصوص التي يستدل بها على هذا الأمر ما يلي:
-حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: “أن رسول الله ﷺ أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعنى ظئره – فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك الخيط في صدره”.
فالحديث نص على إخراج جبريل لحظ الشيطان منه ﷺ وتطهيره لقلبه فلا يقدر الشيطان على إغوائه إذ لا سبيل له عليه. وهذا دليل على تنزيهه من الشرك منذ صغره صلى الله عليه وسلم.
-وعن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال: كان صنم من نحاس يقال له إساف أو نائلة يتمسح به المشركون إذا طافوا، فطاف رسول الله ﷺ فطفت معه، فلما مررت مسحت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تمسه، فقال زيد: فطفت فقلت في نفسي لأمسنه حتى أنظر ما يكون فمسحته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تنه؟، قال زيد: فوالذي هو أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما استلم صنما حتى أكرمه الله بالذي أكرمه وأنزل عليه”.
وهذا الحديث نص في بعده ﷺ عن عبادة الأوثان التي كان عليها أهل مكة فنهيه لزيد – الذي كان ابنه بالتبني في ذلك الحين – يؤكد نفرته ﷺ من تلك الأوثان التي كان يعكف عليها أهل مكة.
ولقد كان النبي ﷺ لا يحضر مع أهل سكة ما يقيمونه من أعياد لأصنامهم فعن ابن عباس
وكذلك فعل البيهقي في دلائل النبوة أيضا فعقد عنوانا لهذا الموضوع فقال:
“باب ما جاء في حفظ الله تعالى رسوله ﷺ في شبيبته عن أقذار الجاهلية ومعائبها، لما يريده به من كرامته برسالته حتى يبعث رسولا”.
ومثلهما السيوطي في الخصائص الكبرى حيث قال: “باب اختصاصه ﷺ بحفظ الله إياه في شبابه عما كان فيه أهل الجاهلية”.
الإجماع:
نقل الجرجاني إجماع الأمة على عصمة الأنبياء من الكفر والشرك قبل النبوة وبعد حيث قال: “وأما الكفر فأجمعت الأمة على عصمتهم منه قبل النبوة وبعدها ولا خلاف لأحد منهم في ذلك”.
وهذا هو الحق فالله سبحانه وتعالى قد نزه نبيه ﷺ عن الكفر والشرك وعصمه من الوقوع فيهما وذلك داخل في باب إعداده لتحمل الرسالة، ومثل ذلك صيانة الله لنسبه الذي تناسل منه فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: “لم يلتق أبواي على سفاح، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما”.
وكل ذلك حتى لا يبقى لمنتقص حجة يتعلق بها لتنفير الناس من رسول الله ﷺ فمن المعلوم أن كفار قريش كانوا حريصين أشد الحرص على تجريح النبي ﷺ ووصفه بما ينقص من قدره ويحط من شأنه لتنفير الناس منه وصدهم عن دعوته فلقد رموه واتهموه بالسحر والجنون وغير ذلك من النقائص ولكن لم يكن الشرك والكفر من ضمن ما رموه به فسكوتهم عن ذلك دليل على أنهم لم يجدوا سبيلا إليه إذ لو كان لنقل، وما سكتوا عنه كما لم يسكتوا عند تحويل القبلة كما حكى الله ذلك عنهم في قوله تعال: ” مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا”
وبهذا يتبين أن النبي ﷺ لم يكن على دين قومه من عبادة الأصنام وتعظيمها، فقد عصمه الله من ذلك فلم يجعل لكفار قريش طريقا عليه فلذلك لجؤوا إلى تلفيق التهم الباطلة المتناقضة كاتهامه بالسحر تارة وبالجنون تارة وبالكهانة تارة أخرى.
ومن النصوص كذلك قول الله تعالى: “وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى “فقد يتوهم البعض أن الآية تعني أن نبينا كان على ضلال قبل مبعثه وهذا فهم خاطئ وباطل ترده النصوص التي سبق إيرادها والتي نصت على أن النبي ﷺ كان من أول حاله إلى نزول الوحي عليه معصوما من عبادة الأوثان وقاذورات أهل الفسق والعصيان.
وقد أشار إلى بطلان هذا الإمام القرطبي عند تفسيره لهذه الآية حيث قال:
“فأما الشرك فلا يظن به”.
وأما المعنى الصحيح لهذه الآية فقد أشار العلماء إلى عدة معان صحيحة لهذه الآية تشترك جميعها في تنزيه النبي ﷺ عن أن ينسب إليه شيء من الشرك أو الكفر قبل بعثته، ومن تلك المعاني ما يلي:
ا- أن يفسر الضلال هنا بمعنى الغفلة كما في قوله تعالى: ” لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى”
وكما في قوله تعالى “وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ” والمعنى أنه وجدك غافلا عما يراد بك من أمر النبوة.
٢- وقال بعضهم: معنى (ضالا) لم تكن تدري ما القرآن والشرائع فهداك الله إلى القرآن وشرائع الإسلام، وهو بمعنى قوله تعالى: “مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ” وعلى هذا التفسير يكون المعنى: أي وجدك ضالا عن شريعتك التي أوحاها إليك لا تعرفها قبل الوحي إليك، فهداك إليها.
٣- وقال بعضهم معنى الآية أي: وجدك في قوم ضلال فهداهم الله بك.
٤- وقال بعضهم الضلال بمعنى الطلب أي وجدك طالبا للقبلة فهداك إليها كما في قوله تعالى: ” قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا”
الشق الثاني: عصمته ﷺ من الكفر والشرك بعد النبوة:
بعث الله تعالى نبيه محمدا ﷺ ليدعو الناس إلى عبادة الله وحده وترك ما هم فيه من الكفر والشرك.
ولقد كان ﷺ في تطبيق ما أمر به هو المثل الأعلى الذي يحتذى به. قال تعالى: )قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(.
فهو منزه عن كل ضلال وغواية كما أخبر الله بذلك في كتابه العزيز” ما ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى” فهذه شهادة للرسول ﷺ بأنه راشد تابع للحق ليس بضال ولا غاوٍ، بل هو صلوات الله وسلامه عليه في غاية من الاستقامة والاعتدال والسداد والهداية.
وإجماع الأمة منعقد على ذلك قال الرازي “واجتمعت الأمة على أن الأنبياء معصومون عن الكفر والبدعة”.
وقال الآمدي: “فما كان منها كفرا فلا نعرف خلافا بين أهل الشرائع في عصمتهم عنه”.
ولم يخالف هذا الإجماع إلا من لا يعتد بخلافهم.
– عصمته من الكذب في غير الوحي والتبليغ.
من المعروف عن سيرته ﷺ قبل البعثة وبعدها أنه م1تصف بكل خلق فاضل من صدق وأمانة وبر وصلة رحم وإحسان وجود إلى غير ذلك من محاسن الأخلاق التي جبله الله عليها منذ نشأته، وحري به ﷺ أن يكون كذلك فقد اختاره الله لحمل الأمانة العظمى التي هي أداء الرسالة وتبليغها إلى الناس كافة، فكان لابد من إعداده لهذه المهمة، ولذا فقد فطره الله على كل خلق فاضل كريم وقد جمع الله له خصال الخير كلها، فلم يكن يدعى إلا بالأمين، ومن الأدلة التي يستدل بها على اتصافه بالصدق قبل بعثته ما يلي:
ا- قول خديجة بنت خويلد رضي الله عنها حينما أتاها النبي ﷺ خائفا بعد أن لقيه جبريل في غار حراء وقال لها: “إني قد خشيت على نفسي”، فقالت له: “كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
٢- إجماع قريش على الإقرار بصدقه حينما جمعها ليصدع بالدعوة جهرا فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين “صعد النبي ﷺ على الصفا فجعل ينادي: “يا بني فهريا بني عدي” – لبطون قريش – حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: “أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي”. قالوا: ما جربنا عليك إلا صدقا.
قال: “فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد … ” الحديث.
فالشاهد من الحديث قولهم “ما جربنا عليك إلا صدقا” فالنبي ﷺ انتزع منهم هذه الشهادة الجماعية بصدقه وانتفاء الكذب عنه، لعلمه بما قد سيقع من تكذيبهم له عند إخبارهم بأمر الرسالة.
٣- على تكذيب قريش للنبي ﷺ في دعوة النبوة إلا أن أحدا منهم لم يجرؤ على وصفه بالكذب في سواها فقد قال أبو جهل٤ للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب الذي جئت به فأنزل الله تعالى”فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ” .
٤- ومما يستدل به كذلك جواب أبي سفيان لهرقل عندما سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم، عندما أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله ﷺ هادن فيها أبا سفيان وكفار قريش، فكان مما سأله عنه: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
فقال أبو سفيان: لا
فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله.
انتهى نقلا من كتاب: حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة لمحمد بن خليفة التميمي