كتاب دلائل الخيرات
ما مدى أفضلية كتاب “دلائل الخيرات وشوارق الأنوار، في ذكر الصلاة على النبي المختار ﷺ”؟
الجواب: فتوى رقم 6090 دار الإفتاء المصرية
كتاب “دلائل الخيرات”: هو الكتاب الذي “عمَّت بركته الأرض”؛ كما يقول الإمام أبو العباس أحمد التُّنبكتي [ت: 1036هـ] في “نيل الابتهاج بتطريز الديباج” ، وهو من أفضل كتب الصلاة على النبي المصطفى والحبيب المجتبى ﷺ التي اعتمدها العلماء والأئمة عبر الأعصار، وأوصوا بها في مختلف الأمصار، وكُتِبَ له من القبول في الأمة الإسلامية ما لم يُكتَب لغيره من الكتب والمصنفات في هذا الموضوع على كثرتها، وقد لهجَ به العلماء والأولياء والصالحون ذكرًا وقراءة وشرحًا منذ زمان تأليفه إلى يومنا هذا، من غير نكير، حتى ظهر النابتة المتشددون الذين أحيَوْا مناهج الخوارج بتكفير الأمة وتبديعها، فكفَّروا المسلمين ظلمًا وبغيًا وعدوانًا.
واسم هذا الكتاب المبارك: “دلائل الخيرات وشوارق الأنوار، في ذكر الصلاة على النبي المختار ﷺ ” للإمام الشريف الحسيب النسيب زين الأولياء وسيد العلماء العارف بالله تعالى الشهيد أبي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي الحسني المالكي [ت: 870هـ]، صاحب القدم الراسخ في فقه الإمام مالك رضي الله عنه؛ حتى كان يحفظ كتاب “المدونة” عن ظهر قلب، ويحفظ فَرْعِيَّ ابن الحاجب؛ كما جاء في “كفاية المحتاج” :
و”دلائل الخيرات” هو كتاب جمع فيه مؤلفُهُ ما ورد في صيغ الصلاة على النبي ﷺ عن النبي ﷺ وعن الصحابة والتابعين فمَن بعدهم من الفضلاء الأخيار، والعلماء الأبرار، والأولياء الأطهار، مما رتَّبُوه في أورادهم أو سطَّروه في تآليفهم.
وعدَّه شيخ الشافعية في عصره العلامة سليمان الجمل [ت: 1204هـ] في شرحه “المنح الإلهيات” [أجلَّ كتاب أُلف في الصلاة على النبي ﷺ] اهـ.
وذكر حافظ عصره العلامة محمد مرتضى الزبيدي [ت: 1205هـ] في كتابه “إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين [أن الله رزقه من القبول والاشتهار ما لم يُعْط لغيره؛ فولعت به الخاصة والعامة، وخدموه بشروح وحواشٍ، وما ذلك إلا لحسن نية صاحبه وخلوص باطنه في حب النبي ﷺ] اهـ.
ووصفه العلامة المحقق عبد الرحمن بن محمد الفاسي المالكي [ت: 1036هـ] في شرحه “الأنوار اللامعات في الكلام على دلائل الخيرات” (ق: 4/أ، مخطوط) بأنه [مِن أفضل ما صُنِّف في كيفية الصلاة على النبي المختار، وكان الاعتكاف والدوام على قراءته من وظيفة الأبرار، ومن أجَلِّ ما تحلَّى به -حتى صار هِجِّيرَاهم- المقربون الأخيار] اهـ.
وعدَّهُ العلامة الحاج خليفة [ت: 1067هـ] في “كشف الظنون”
: [آية من آيات الله في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، يُواظَبُ بقراءته في المشارق والمغارب، لا سيما في بلاد الروم] اهـ.
وقال فيه العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد المهدي بن أحمد الفاسي المالكي [ت: 1109هـ] في كتابه “ممتع الأسماع بمناقب الشيخ الجزولي والتباع، ومن لهما من الأتباع”
: [قد نفع الله به العباد، وأخذ بالأسانيد المحررة وأقبل الناس عليه، وسار فيهم مسير الشمس والقمر، واشتهر في البدو والحضر، وانكبوا عليه في مشارق الأرض ومغاربها دون غيره من كتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على كثرتها وأسبقيتها، ويجدون له بركة ونورًا] اهـ.
وقال العلامة الشيخ أبو الفتح محمد بن عبد السلام بن بوستة البناني المالكي [ت: 1346هـ] في كتابه “النعم الجلائل في التعريف بالشيخ مولانا محمد بن سليمان صاحب الدلائل” (ق: 20أ، مخطوط): [وبالجملة: فهذا الكتاب المبارك من أحسن الذخائر وأعظم البشائر، تلوح على قلوب العارفين له الأسرار، وتشرق فيها الأنوار، وتنجلي ببركته الهموم والأكدار، فله الفضائل التي لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، والبركات التي لا تُحَدُّ ولا تُستَقْصَى] اهـ.
وقال العلامة عبد المجيد الشرنوبي الأزهري المالكي [ت: 1348هـ] في “شرح دلائل الخيرات”: [كتاب “دلائل الخيرات” من أنفس ما يُتَقَرَّب به إلى سيد السادات] اهـ.
إلى غير ذلك من عبارات الثناء العاطر والمدح السائر التي تبين أنَّ هذا الكتاب قد رُزِق من القبول في المسلمين عامتهم وخاصتهم ما لم يرزقه غيره، وحاز من الحظوة والانتشار ما لم يَحُزْهُ أي كتاب، وعمَّ دخوله كل البيوت وجميع الطبقات، وقرأه حتى ربات الخدور، ورأى المسلمون من خيره وبركته ما لا يحصى من بلوغ الآمال، وعم الانتفاع به في المشارق والمغارب عبر العصور والأجيال، وشاهدوا له من البركات والأنوار ما لا يخطر على بال، وتنافس الناس في كتابته ونسخه؛ حتى إن المتتبع لنُسَخِه المخطوطة المبثوثة في مكتبات العالم يجده في المرتبة الأولى في عدد المخطوطات؛ مما يدل كل هذا على أفضليته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
مدح مفتي فاس الإمام العارف الرحّالة أبو سالم عبد الله بن محمد بن أبي بكر العَيّاشي [ت1090هـ]، للإمام الجازولي وكتابه، ووصف ما يحتويه بقوله:
عليك بما يحـــــويه هذا المؤلَّـفُ .. ففيه غنى الدارين إن كنت تعرفُ
فلازمه واستمسك به إن تكن فتى .. لديك إلى حُبِّ الرســـــول تَشَوُّفُ
حوى صلوات طيبـــات كثيرة .. على المصطفى أزهارها منه تقطف
فمنهـــا الذي قد انشـــــأته أئمـــة .. وأخرى أتت فيمـــا روَوْه وصنفوا
(دلائل خيرات) فوائد نعـــمة .. شــــوارق أنـــــوار بهـــا تتشــــرف
ينابيع رحمات موارد حكمة .. حــــدائق جنـــاتٍ من الله تُزلِفُ
وجامعهـــا فردُ الزمـــان وغـوثُه .. أقر له بالفـضل مَن هو منصــــف
له في مقـــامات اليقين تمكّن .. وسر خفي في المعـــارف يلطــف
جزاه إله العرش عن جمعه الذي .. به يترقى الســـالك المتصــــــــــوف
فلا تعدون عينـــاك عنــــــه فإنه .. كتاب بأنوار الفضــائل يُعْرَفُ
لقـــارئه الحســــنى غدًا وزيـــادة .. وقرب مكين بالمواهب ينطف
الرد على منتقد كتاب “دلائل الخيرات“:
السؤال:
طالعتنا إحدى الصحف بعنوان مثير للاستنكار وهو (التحذير من كتاب “دلائل الخيرات”)، وادعى فيه صاحبه أن هذا الكتاب مملوء بالمخالفات الشرعية، والعبارات الشركية، ولـَمَزهُ بأنه “دلائل الشركيات”، وأن الدليل على شركه عبارة: “مستمدًّا من حضرته”؛ لأن النبي ﷺ يقول: “إذا سألت فاسأل الله”، وحرَّموه بدعوى أنه لا يجوز استحداث صيغ جديدة، وأنه يذكر أسماء وصفات للرسول ﷺ لا تليق به؛ مثل: محي، ومنج، وناصر، وغوث، وصاحب الفرج، ولا تجوز لأن فيها غلوًّا ومبالغة، وأنه لا تجوز الزيادة على أسماء الرسول ﷺ التي وردت في الأحاديث الصحيحة، وأن فيها عبارات كفر؛ مثل: (اللهم صل على من تفتقت من نوره الأزهار)، أو حرام؛ مثل: (اللهم صل على محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء). فكيف نرد عليه؟ وما حكم قراءة دلائل الخيرات؟
الجواب: فتوى رقم :5718 دار الإفتاء المصرية
كتاب “دلائل الخيرات” من الكتب المباركة التي كتبت في الصلاة والسلام على أشرف الكائنات سيدنا محمد ﷺ، وهو كتاب عالي القدر، سرى في الأمة مسرى الشمس في الآفاق، وعُقِدَت له المجالس، وشرحه كبار العلماء والأولياء، وهو أجلُّ كتاب أُلف في الصلاة عليه، قد رُزِق من القبول في المسلمين عامتهم وخاصتهم ما لم يرزقه غيره.
ووصف كتابٍ -هذا شأنُه عبر الأمصار والأعصار، وهذه منزلته في الأمة الإسلامية- بـ”دلائل الشركيات” هو من شأن الخوارج الذين يكفرون علماء المسلمين وأئمتهم.
وما يقال حوله من دعاوى وشبهات هي في الحقيقة أكاذيب تشكك الأمة في علمائها وأوليائها، وتفتقر إلى أصول الفهم وقواعد العلم، بل هي مغالطات يُدْرِك من له أدنى حظ من العلم ما فيها من الخلط والتلبيس.
فأما دعوى الشرك في عبارة: (مستمدًّا من حضرته): فهي دعوى فاسدة، وأشد منها فسادًا الاستدلال عليها بقوله ﷺ: «إذَا سَأَلْتَ فاسأل الله»؛ فإن المقصود هو طلب المدد على جهة السببية؛ أي أنه ﷺ هو سببٌ في ذلك، وهذا جائز شرعًا.
وأما إنكار أسماء النبي ﷺ وألقابه وأوصافه المذكورة بالكتاب؛ ودعوى أنها لا تليق به ﷺ : فهو جهلٌ بأن هذه الأسماء الشريفة مأخوذة من الكتاب والسنة والآثار الواردة عن السلف، وأن للعلماء فيها تآليف وتصانيف، وهذه الأسماء والأوصاف كتبها المسلمون على جدار قبلة المسجد النبوي الشريف، بنصّها وعددها، بأجمل الخطوط وأحلاها وأبدعها؛ يقرأها كل زائر، ويلهج بها كلُّ محبّ، ودعوى الغلوّ والمبالغة تجاهلٌ وتغافلٌ عن أن كمالاته ﷺ لا تتناهى، وأن الخلق كلهم عن بكرتهم مهما وصفوا النبي ﷺ فلن يصلوا إلى عشر معشار قدره ومقامه عند مولاه؛ فهو الذي دل الخلق على الخير.
والزعم أنه لا تجوز الزيادة على أسماء الرسول ﷺ الواردة كلام فيه تلبيسٌ وخلطٌ بين باب الاسمية والوصفية؛ فإن الاسم قد يطلق تارةً على العَلَم، وقد يطلق على الوصف؛ فإن أسماء النبي ﷺ تطلق على أوصافه وشمائله، وهي مأخوذة من القرآن والسنة والسيرة وآثار السلف الصالح، وتشتق من أفعاله وكراماته وخصائصه وأخلاقه ﷺ.
وأما استنكار بعض هذه الأسماء الشريفة؛ ومنها: مُحي، ومُنج، وناصر، وغوث، وصاحب الفرج، وأجير، فغير صحيح؛ إذ كلها أسماء صحيحة متفق عليها لا معنى لإنكارها؛ فالنبي ﷺ سبب لإحياءِ القلوب، والنجاةِ من العقاب، والحمايةِ من العذاب، وإغاثةِ الخلق، وتفريجِ كروبهم، كل ذلك بإذن الله تعالى؛ فهو ﷺ سببٌ في كلّ ذلك.
وزعم الشرك في عبارة: (اللهم صل على من تفتقت من نوره الأزهار)، بدعوى أن الأزهار فتقها الله وحده: مغالطة وشغب؛ فالمعنى المقصود أن النبي ﷺ سببٌ لكل خير في الدنيا والآخرة.
وأما دعوى معارضة النصوص لقوله: (اللهم صل على محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء): فجهل بالسنة؛ فقد ورد ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا عند الطبراني في “الدعاء” والديلمي في “الفردوس”: “اللَّهُمَّ صَلِّى عَلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْ صَلَاتِكِ شَيْءٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْ بَرَكَاتِكَ شَيْءٌ، وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنَ السَّلَامِ شَيْءٌ”. على معنى صلّ وسلّم وبارك على سيدنا محمد ﷺ جميعَ ما صليتَه وأبرزتَه لأهل عنايتِك وأنبيائِك ورسلك وملائكتك، وقد كان كذلك، فإن الله سبحانه أنعم عليه ﷺ بما لم يُعْطِهِ لمجموع أحبته وأهل وده وخاصته، بل أعطاه أكثر وأجمل، وسيعطيه بعدُ ما لا يحيط به عقل، ولا يحويه نقل.
ومـمَّا سبق يتبين أنّ ما أُثير من دعوى وشبهات ما هي إلا أكاذيب تبُثُّ مناهج التبديع والتكفير؛ فلا يجوز الالتفات إليها ولا التعويل عليها.
وهذا هو الفرق بين العالم الذي يحمل الكلام على أحسن محامله، وبين المتحامل الذي يترصّد لِلَمْزِ الأولياء، والمتعالم الذي يهوى عيب العلماء.
وبناء على ذلك: فكتاب “دلائل الخيرات” من الكتب المباركة التي كتب الله لها القبول في الأمة الإسلامية، وشرحه العلماء الكبار على اختلاف الأعصار والأمصار، وقرأه المسلمون عبر القرون، وأجمعت على قبوله الأمة من غير نكير، وهو من أعظم كتب الصلاة على النبي ﷺ بركة وفائدة ونفعًا، ومن أعظم ما امتُثِل به الأمرُ النبوي بإحسان الصلاة على النبي ﷺ، وقراءته مشروعة، وهي من أعظم الوسائل الموصلة لصاحب الشمائل ﷺ، وقد اعتمد العلماء ما ذكره من أسماء النبي ﷺ فيه وكتبوها على جدار قبلة المسجد النبوي الشريف.